مخاوف عديدة من مجريات الأحداث في الوطن العربي ما بعد الربيع، فأشباح الأنظمة السابقة يمكن عودتها لكن بصورة مختلفة، ومن يقوِّم الواقع يذهب إلى أن الزمن لا يكرر الماضي، حيث مَن تدفقوا على الميادين والساحات، واستخدموا وسائل التواصل الاجتماعي، ليسوا أبناء المراحل الأولى ما بعد الاستعمار، وحتى العالم بقطبيه الشرقي والغربي أنهى تلك المراحل بما يشبه الصلح العام، إلا على بعض النقاط الملتهبة، ولكنها لا تعد لحروب نووية أو الضربة الاستباقية لشل الخصم، ومنطقتنا بكل فوضاها أعلنت، مسبقاً، أن عودة وجوه عبدالناصر، والسلال، وقاسم والقذافي، وغيرهم إلى الساحات التي احتلوها، جاءت بظروف كانت تنتظر تلك الشخصيات، لكن جيل اليوم لم يعد يهتم بكارزما الشخص، وإنما بقدرته على توثيق علاقاته بالداخل على قائمة شروط العدالة الاجتماعية والتنمية وشغل المراكز بالكفاءات لا المحسوبيات، أو رفاق الثكنة أو الحزب، والمعركة امتدت إلى رؤية الشاب إلى كل العالم المحيط به، وصار هو من يطرح الأسئلة بدلاً أن تعد له أو تملى عليه.. صحيح أن التبدلات التي حدثت في المحيط العربي لا تزال عفوية، ومتطرفة بعقائدها، مطلقة أحكاماً لا رجعة فيها، لكن هذه الشريحة التي تنتمي لعناصر التشدد والتطرف، لا تمثل الوعي الناضج؛ لأنها بعيدة عن الثقافات والمعارف منتهجة أسلوب التكفير، وتفسير الحياة من منظار واحد ضيق، وليست الأغلبية الهائلة في المجتمعات العربية، وإن وصل تأثير دعاياتها وتجاوزاتها بأن تحتل مواقع مؤثرة، لكن تراكم الأخطاء لم يعد يبرره الفصل بمن يذهب للجنة أو النار بأحكام لا تتفق مع الشريعة ومفاهيم الدين الذي يتفق عليه الجميع، والسابق لطبع الناس باتجاه مغاير لنواميس الحياة.. إذاً لم تعد الدبابة هي من تحتل المراكز الحيوية وتعلن بياناتها، وتتهم من سبقوها بالعمالة، ليعود المسلسل بانقلابات وتغييرات بالقوة، لأنه الخدعة التي عاشها مواطنو تلك الحكومات بأنهم من تأكد لهم احتكار السلطة وتحويل المواطنين إلى هتافين مسلوبي الوعي والإرادة، لكن زلازل الأحداث الكبرى، والتي انعكست على وعي الإنسان العربي، لم تعد تغريه بالزعيم المنقذ سواء كان عسكرياً أو مدنياً، أو رجل دين، لأن الشروط اختلفت، وصار ميزان التحقق من أي شخصية يقاس بمستوى ما يقدمه لمجتمعه لا ببلاغة خطاباته، وحضوره على وسائل الإعلام، إذا كان لا يؤسس لنظام تتساوى فيه قيم المجتمع ومصالحه، حتى أن الإعلام المسيّس، أو الدعاية التي كانت تطلقها الحكومات بات موضع شك، أمام انتشار الوسائط والوسائل التي صارت هي من تقدم المعلومة والخبر وتطرح الحوار على مستوى تكافؤ الأفكار وتعدديتها، فضاقت المسافة على الحياة التقليدية وينسحب هذا الوعي على الشاب والفتاة، أي أن الفواصل التي كانت أحد أثقال تقييد العقل، بين الموضوعي، واللا موضوعي، صارت تخضع للتحليل المفتوح ومن قبل عناصر، لا تحاصرها المذاهب والأحزاب، أو كارزما الشخص صاحب موقع المسؤولية الأساسية.. كثيرون يرون أن الوطن العربي يمر بمرحلة أخرى لكنها مختلفة عن العقود الخمسة الماضية، لأن تحالف الوعي مع الثقافة، واقترانهما بسلوك جديد، هو الحصانة ألا تكون للثكنة السلطة على مراكز الدولة، وإعادة دولاب الحياة السابقة..