النسخة: الورقية - سعودي قبل ٣٨ عاماً اجتمع فريق من رجالات الوطن في غرفة صغيرة، يقودهم رجل العلاقات الدولية والقيادي التنموي البارع وزير الصناعة والكهرباء آنذاك الدكتور غازي القصيبي - رحمه الله -، على طاولته ملف مُعنون بالرؤية الآتية: «استثمار الموارد الهيدروكربونية الوافرة التي حبا الله بها المملكة العربية السعودية، وتحويلها إلى منتجات صناعية ذات قيمة مضافة عالية من الناحيتين الاقتصادية والبيئية». كان يجلس على جانبي طاولة الاجتماع أعضاء فريق استعان بهم من مركز الأبحاث، من أبرزهم: المهندس عبدالعزيز الزامل، الأستاذ إبراهيم بن سلمة، المهندس محمد الماضي، وغيرهم من الكفاءات الوطنية المؤهلة آنذاك لا تحضرني أسماؤهم. من السهولة أن تكتب الرؤيا وتصوغ الأحلام، ولكن من دون إرادة وعزم لا يستطيع كائن من كان أن يحولهما إلى واقع، وهكذا اجتازت الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك) بمنظومة الدعم والإرادة الصلبة حدود الزمان والمكان، لترسم في فترة قياسية تجربة صناعية وتقنية رائدة، يقودها طموحها الوثاب إلى مزيد من النمو والتوسع الذي يثري إسهامها في خطط وبرامج التنمية الوطنية، ويعزز حضورها القوي في الأسواق العالمية. تعودنا من سيرة التجارب التنموية العربية «الشيخوخة» بعد عقد أو عقدين من الزمان، وها هي «سابك» رحل رواد، وترجّل رواد، ولا تزال اليوم تنظر للغد في صورة مشرقة، ترسم ملامحها ومستقبلها بمزيد من الإبداع والابتكار، جامعةً في تطوير الموارد البشرية، قدوة في ترسيخ مبادئ وثقافة الجودة والسلامة، علاقاتها بزبائنها تترسخ وتتوسع بثقة يوماً بعد يوم، حتى أصبحت منتجاتها تغزو قارات العالم بعلامة تجارية تضمن الجودة بمقاييس عالمية. انطلقت «سابك» بخُطى واثقة نحو العالمية، تدفعها سمعة وصورة ذهنية رائدة في صناعة الكيماويات، الأسمدة، البلاستيكات، المعادن، وصناعة البلاستيكات المبتكرة، وفرضت نفسها ضمن أكبر ٦ شركات بتروكيماوية عالمية، ونجحت بالصبر والإرادة في الاستثمار في مشاريع عالمية بانتهاج استراتيجيات طموحة، للمساهمة في النمو العالمي، وأصبح مساهمو الشركة معتادين على سماع أخبار القفزات والإنجازات «الشركات الناجحة لا تتثاءب أبداً». الاستثمار في الموارد البشرية في «سابك» قصة فخر واعتزاز للوطن، لأن المخططين ومن وضعوا لبنات التأسيس فكروا في الإنسان قبل الآلة، استقبلت مكاتب الشركة قبل ٣٨ عاماً خريجي الثانوية العامة وأُرسِلوا في بعثات إلى أميركا، اليابان، ألمانيا، بريطانيا، وعندما أُنشِئت المصانع كان الرجال والشباب حاضرين ومستعدين لتحمل مسؤولية التشغيل والإدارة، والأرقام والنّسب تتحدث اليوم عن مخرجات الرؤية والتخطيط السليم، إذ يحتل الموظفون السعوديون ٩٩ في المئة من الوظائف الإدارية، و٨١ في المئة من المهندسين والفنيين في «سابك» والشركات التابعة لها، وفي بعض شركاتها تجاوزت النسبة ٩٠ في المئة. ولأن «سابك لا تتثاءب أبداً» أطلقت قبل عامين مركزاً عالمياً للتطوير والمعرفة هو «أكاديمية سابك» ودوّن القائمون على إدارتها رؤيتها ورسالتها، بأنها المكان الذي ينمو فيه الموظفون مع العلوم والمعارف من أجل ريادة الصناعة وتسريع نجاحهم كشركة عالمية مصنعة من الطراز الأول، لتقدم باستمرار حلول المواد المبتكرة لزبائنها. وقال نائب رئيس مجلس الإدارة الرئيس التنفيذي للشركة المهندس محمد الماضي: «شُيِّدت أكاديمية سابك على أحدث النماذج التعليمية العالمية، وسنهدف من ذلك إلى استثمار العلوم والمعارف في تطوير الأعمال، لضمان ديمومة المنافسة العالمية والجودة في جميع المخرجات على مستوى الكوادر البشرية والمنتجات، وصقل مهارات الموظفين وإعداد قيادات المستقبل، والتشجيع على الابتكار والإبداع، وبناء الاقتصاد المعرفي والتنمية المستدامة، ومن ضمن أهداف الأكاديمية: بحث وتدارس الأفكار الخلاقة وتبادل الخبرات المفيدة، ومناقشة التحديات والمعوقات التي تعترض تنفيذ الأعمال». وأقول للمهندس محمد الماضي ولجميع قيادات «سابك» وموظفيها، توّجتم النجاحات المتوالية بـ«سوبر ستار أكاديمي»، إنها - بحق - بيئة منفتحة على الأفكار والتعاون الخلاّق، إننا في طريقنا إلى المطار قبل السفر من مدينة الرياض نرسم في وجداننا صورة مبنى الأكاديمية الذي صُمم على هيئة كتاب مفتوح للتعلم ومكاناً بذراعين مفتوحتين يرحب بالجميع، نسافر يحملنا الأمل، ونعود بسلامة الله ويستقبلنا واقع لا يتثاءب ومنارة معرفة وتطوير. كم أنت رائع يا وطني عندما تُجسّد الأحلام إلى واقع، وكم أنتم رائعون يا من تنجزون للوطن بأمانة وإخلاص ومسؤولية. * كاتب سعودي. aalyemni@yahoo.com