سبحان الله أن خلال ليالي الشهر الفضيل تتجه أنظارنا نحو القمر بشكل ملحوظ. وفي إحدى تلك الليالي تذكرت قصة جميلة تستحق وقفة تأمل. كانت قبل حوالي خمسين سنة في بداية برنامج «أبولو» لإنزال رجل على القمر. وللعلم، فكان البرنامج الثالث والأكثر طموحا في سلسلة الاستكشاف البشري للفضاء في الولايات المتحدة. بدأ ببرنامج «مركوري» لإطلاق أول رجل للفضاء الخارجي، ثم برنامج «جيمني» لإطلاق رجلين للقيام بسلسلة تجارب استعدادا للتوغل الأكثر عمقا للفضاء. وكلها كانت مجرد مقدمات لبرنامج «أبولو» لاستكشاف القمر. وكانت منظومة «أبولو» معقدة جدا من جميع النواحي الفنية، والإدارية، والمالية، والإنسانية. شملت تصميم عشرات المركبات المذهلة علميا، وكانت كلها جديدة بالكامل على البشرية. ويهمنا في الموضوع تصميم مركبة واحدة وشهرتها «لم» بكسر اللام، وهي على وزن ــ لا مؤاخذة ــ «لم لسانك». واسمها اختصار لمركبة الاستكشاف القمرية Lunar Excursion Module-LEM. وكانت أول سفينة فضاء في تاريخ البشرية مصممة بالكامل للعمل في الفضاء الخارجي، ولإنزال البشر على سطح القمر. صممت لحمل رجلين من مدار حول القمر إلى سطحه، وبعد انتهاء مهمتهما، صمم الجزء العلوى منها للصعود إلى المدار حول القمر مرة أخرى لمقابلة المركبة «الأم» بانتظارها ثم العودة إلى الأرض. الشاهد أن شركة «جرومان» لصناعة الطائرات حصلت على العقد الأساس لتصميمها، ووضعت فريقا متألقا من مئات المهندسين، والعلماء، والجامعات، ورواد الفضاء لتصميم وتصنيع المركبة. وكانت إحدى الطرائف العلمية التي واجهت الفريق هي تحدي تخفيض الوزن. ولنعرج على الموضوع الوزن قليلا بالقول إن في عالم التصميم في مجال الفضاء والطيران تشكل مشكلة تخفيض الوزن أحد أهم التحديات؛ لأن من الصعب أن يلتزم المصممون بالأوزان المحددة لهم نظرا لزيادة المتطلبات في التصميم والتصنيع. وبدأ تصميم المركبة المعنية باستخدام خمس أرجل لضمان الثبات عند الهبوط على سطح القمر، ولكن الأبحاث والحسابات أثبتت أنها كانت كثيرة، فتم تقليصها إلى أربع أرجل فقط. وفي ذلك التقليص نشبت معارك فكرية عنيفة كان مفادها أن مخاطر ثبات النزول على سطح القمر تستدعي الخمس أرجل، بينما رأت مدرسة فكرية مضادة أن الحاجة إلى تقليص الوزن لا تستدعي الرجل الخامس. انتهت المركبة العجيبة التي وصل وزنها إلى ما يعادل وزن عشر سيارات «كامري» إلى جزءين، أحدهما للإقلاع والعودة فقط إلى المدار القمري بعد انتهاء المهمة. وكانت من أغرب الأشكال الهندسية لأنها كانت تشبه الحشرة الضخمة، بأربع أرجل فقط، وتم إطلاق اسم «العنكبوت» عليها من قبل الطاقم الهندسي. والطريف هنا هو أن العنكبوت علميا ليس من الحشرات. ويشمل التصنيف العلمي للكائنات مجموعة خصائص ومنها عدد الأرجل، فالعناكب تحتوي على ثماني أرجل. وأما الحشرات فتحتوي على ست أرجل فقط. وكل منها هي عبارة عن معجزة هندسية لأنها تنجز العديد من المهام بفعالية مذهلة. فضلا، لاحظ أن جميع الحشرات والعناكب تحمل أحمالا ضخمة جدا نسبة إلى حجمها تصل إلى ما يعادل أضعاف وزن الكائن نفسه. يعني كمن يذهب في مشوار ويحمل جميع أفراد أسرته فوق ظهره بكل سهولة. وتمتص بعض من تلك الأرجل قوة الهبوط العنيفة للحشرات الطائرة، وتنقل الإشارات العصبية بداخل بعض الأرجل بسرعات هائلة تسمح لها بالتسارع والتباطؤ بمعدلات مذهلة تضع سيارات «البورشه» و«الفيراري» في إحراج. ولكن لا نحتاج أن ننظر إلى أرجل المركبات الفضائية، ولا إلى الحشرات ولا العناكب لنكتشف معجزات التصميم. فلو نظرت إلى أرجلنا ستجد التالي: أكبر عضلة في الجسم البشري، وأكبر عظمة، وأكبر مفصل (وهو الركبة)، وأعلى كثافة للمفاصل وستجدها في القدم، حيث يصل عددها إلى 33. وكل هذا تحتنا اليوم وكل يوم بلطف الله ــ عز وجل. أمنية بعض الأفكار غير الموفقة، بل وحتى بعض الحكومات تنقصها «الرجول». تبدو للجميع أنها وجيهة في مقاصدها، ولكنها تثبت أنها قاصرة في صمودها، وفي مواكبتها للتغيرات. أتمنى أن نقدر نعم الله التي لا تحصى، ومنها بعض من أبسط الأمور التي نراها ونشعر بها أمامنا وتحتنا يوميا. والله من وراء القصد. tfadaak@hotmail.com للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 122 مسافة ثم الرسالة