د.سعيد اللاوندي ترتعد فرائص فرنسا من الإرهاب والإرهابيين، فمنذ أحداث شارل إبدو الإرهابية، مروراً بأحداث استاد دي فرانس، ثم أحداث نيس وفرنسا، تعيش أجواء إرهابية وتشتبه في أناس كثيرين، خصوصاً الأجانب المنحدرين من أصول عربية، فأنت اسمك محمد أو محمود أو مصطفى أو عبد الله أو الأسماء ذات الاشتقاقات الإسلامية، فأنت إرهابي حتى يثبت العكس. يثقل هذا الأمر ويزداد الفم مرارة إذا علمنا أنه يوجد في فرنسا نحو خمسة إلى ستة ملايين عربي مسلم، ومعلوم أن الدين الإسلامي هو ثاني دين بعد الكاثوليكية، ويكاد يكون كل المسلمين وراء القضبان، ما يعني أن بلاد الحرية والإخاء والمساواة أصبحت سجناً كبيراً لهؤلاء العرب والمسلمين، والسبب في ذلك هو الإرهاب الذي يرتبط بأسماء عربية وإسلامية، كما حدث في كل الأحداث الإرهابية التي وقعت مؤخراً إلى حد أن البرلمان الفرنسي (الجمعية الوطنية) قد وافقت على تطبيق قانون الطوارئ بعد أحداث نيس، التي تعمد فيها سائق إحدى الشاحنات أن يسحق المتجمهرين للاحتفال بالعيد الوطني الفرنسي! كان هذا شيئاً غريباً، إذ لم يُطبق قانون الطوارئ في فرنسا منذ أحداث ثورة الجزائر في خمسينات القرن الماضي، لكن تُرى ما هي أهم بنود هذا القانون الذي أثار جدلاً في الأوساط الحزبية في فرنسا عندما استدعته الذاكرة الفرنسية السياسية أمام هول الأحداث الإرهابية الأخيرة؟ من بين النقاط الرئيسية لقانون تمديد حالة الطوارئ المعلنة في فرنسا لمدة ثلاثة أشهر، والذي صوتت عليه الجمعية الوطنية يوم 19 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ثم وافق عليه مجلس الشيوخ يوم الجمعة 20 من الشهر نفسه ما يأتي: التمديد ينص القانون الفرنسي على أن تمديد حالة الطوارئ بعد 12 يوماً غير ممكن سوى بقانون، وينص هذا القانون الذي تبنته الجمعية الوطنية الخميس 29 نوفمبر 2015 على أن حالة الطوارئ المعلنة اعتباراً من 14 نوفمبر 2015 سيتم تمديدها لمدة ثلاثة أشهر بعد انقضاء مهلة ال12 يوماً، أي ستظل سارية حتى فبراير/شباط 2016. هذا الوضع سبق أن شهدته البلاد عام 2005 عند اندلاع أعمال الشغب في الضواحي، إلا أن حالة الطوارئ آنذاك كانت تقتصر على بعض الأحياء الشعبية، وليست على مجمل الأراضي الفرنسية، كما هو الوضع بهجمات باريس. * الإقامة الجبرية: ينص قانون حالة الطوارئ على توسع نطاق الإقامة الجبرية ليشمل كل شخص تتوافر أسباب كافية للشك في أن سلوكه يشكل تهديداً للأمن والنظام العام. وأضاف النواب الذين بحثوا حالة الطوارئ في فرنسا بنداً ينص على وضع سوار إلكتروني للأشخاص الذين تتم إدانتهم بأعمال إرهابية أو أنهوا عقوباتهم منذ أقل من ثمانية شهور، إلى جانب ذلك بعض الأشخاص قيد الإقامة الجبرية يمكن أن يُمنعوا من الاتصال مباشرة أو بشكل غير مباشر بأشخاص يُشتبه أيضاً في أنهم يُعدون لأعمال تهدد النظام العام. * نظام المداهمات: إذا كانت حال الطوارئ تُجيز لوزارة الداخلية السماح بمداهمات دون المرور بالسلطة القضائية، فإن مشروع القانون نص على أن أياً منها لا يمكن أن يستهدف أماكن مخصصة لممارسة ولاية نيابية أو نشاط مهني كمحامين أو صحفيين أو قضاة. بحسب القانون يتم إبلاغ رئيس الجمهورية بكل قرارات المداهمة على أن تتم بحضور مسؤول من الشرطة القضائية خلال عمليات المداهمات. ومن الممكن إجراء فخ عبر أي بيانات مُخزنة على نظام إلكتروني. وفي حال انتهاك القواعد حول المداهمات أو الإقامة الجبرية يتم تشديد العقوبات على ذلك. حجب مواقع إلكترونية ألغي قانون الرقابة على الصحف والإذاعات، كما نص عليه قانون حالة الطوارئ الذي يعود إلى عام 1995. في المقابل تبنى النواب مؤخراً تعديلاً يتيح للحكومة حجب مواقع إلكترونية وشبكات تواصل اجتماعي تمجد الإرهاب وتحض على أعمال إرهابية. باختصار لا بد من الاعتراف بأن مشروع القانون أفسح المجال أمام حل جمعيات أو مجموعات تشارك أو تُسهل أو تحض على تنفيذ أعمال تلحق ضرراً خطراً بالنظام العام أو تتضمن أفراداً فُرضت عليهم الإقامة الجبرية. دوريات شرطية إذا سرت في شوارع باريس أو هبطت إلى أنفاق المترو المنتشرة في العاصمة الفرنسية، وجدت دوريات من البوليس الفرنسي تملأ الأرجاء مدججة بالسلاح، وتسير في جماعات.. لكن لا تستطيع العين إلا أن تدرك ملامح الخوف وقد ارتسمت على الأفواه والعيون، حتى تكاد تشعر بأن باريس لم تعد باريس التي يعرفها الصغير قبل الكبير، فكل شيء يدعو للخوف والقلق. على العموم قد اتسعت دوائر القلق حتى وصلت إلى البرلمان الفرنسي الذي لم يتردد في الموافقة على تمديد حالة الطوارئ للمرة الخامسة لتمتد إلى نهاية يوليو/تموز المقبل 2017. وفيما لا تزال فرنسا في حالة تأهب قصوى من خطر هجمات إرهابية، وجاء ذلك بعد أن أقر رئيس وزراء فرنسا الجديد برنار كازنوف بالفعل تمديد حالة الطوارئ في يوم 10 ديسمبر/كانون الأول الجاري، استجابة منه لمطالبات الجمعية الوطنية، بذلك لضمان السلامة والأمان في البلاد خاصة مع قدوم الانتخابات، رئاسية وبرلمانية، في 2017، كما تحرص الأحزاب السياسية على إظهار استيعابها ووعيها بالخطر المُحدق الذي تعيشه فرنسا على خلفية الهجمات الإرهابية. والمعروف أنه بعد إقرار مجلس الشيوخ تمديد قانون الطوارئ تكون هي المرة الخامسة، فكانت الأولى أثناء ثورة التحرير الجزائرية وتحديداً عام 1955، والثانية كانت في عام 2005، بسبب ما يُعرف باضطرابات فرنسا، ومرتين في ولاية فرانسوا هولاند الرئيس الحالي لفرنسا بعد هجمات إرهابية. بعبارة أخرى لقد دفعت باريس ونيس وغيرهما من المدن الثمن غالياً، وهو مئات من القتلى والمصابين، وهو ما دفع الأجهزة السياسية والتنفيذية لاتخاذ إجراءات حيوية وحاسمة لوقف الموجة الكبيرة، وكانت أبرز هذه الإجراءات التي لجأت إليها باريس (حالة الطوارئ). وللإنصاف يجب أن نذكر أن مجلس الوزراء الفرنسي قد استجاب لنداء الجمعية الوطنية (البرلمان الفرنسي) بإقرار مد قانون الطوارئ لفترة إضافية جديدة، إذ أقرت الحكومة مشروع التمديد حتى 15 يوليو/تموز القادم لتنتهي حالة الطوارئ بعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي تشهدها البلاد ابتداء من مايو/أيار المقبل. أخيراً يمكن لهذا الإعلان أيضاً تجريد القضاء من صفوفه المتعارف إليها فتقرر السلطات الإدارية صلاحيات التفتيش ليل نهار، وتطلق يد القضاء العسكري في شؤون خارج صلاحياته المتعارف إليها. والسؤال الآن: إلى متى سيتم التمديد؟ البعض من ذوي النفوذ السياسي يرى أن فرنسا تمر بعنق زجاجة من الناحية الأمنية، وسوف يتم التمديد حتى تأمن الحياة في باريس من أي هجمات، والبعض الآخر- خصوصاً أحزاب اليسار- ترى أن هذا القانون يعتدي بشكل صارخ على الحريات ويُشعر المواطنين بالحصار والضيق، ضارباً الناحية الأمنية عرض الحائط! وهكذا يظل الجدل قائما والمفارقة أن القانون قد صدر بالفعل ودخل حيز التنفيذ! * مدير مركز الدراسات والبحوث الأورومتوسطية -القاهرة