كشف مصرفيون ومسؤولون حكوميون أن المصارف الغربية تتحاشى محاولات من جانب إيران لإشراكها في تمويل صفقات الاحتياجات الإنسانية الأساسية خشية الوقوع تحت طائلة العقوبات الأمريكية وذلك رغم التحسن الذي طرأ على العلاقات الدبلوماسية. ولم تمنع العقوبات التي فرضت على إيران بسبب برنامجها النووي شراء المواد الغذائية أو السلع الإنسانية الأخرى لكن ما اتخذه الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من تدابير زاد من صعوبة إبرام الصفقات التجارية خلال العامين الأخيرين وذلك بوضع العراقيل أمام سداد قيمة الصفقات ونقل السلع. ووفقاً لـ "رويترز"، فقد أظهرت وثيقة حكومية إيرانية أن الحكومة تعمل في إطار المباحثات التي جرت في جنيف بشأن القضية النووية على حث القوى العالمية للتعجيل بترتيبات تمويل التجارة للصفقات الإنسانية بإشراك مصارف غربية وإيرانية. ويقول مسؤولون في الحكومة الإيرانية ومصادر تجارية دولية إن طهران تريد تبسيط الترتيبات المعقدة لتمويل التجارة فيما يتعلق بالصفقات الخاصة بتلبية الاحتياجات الإنسانية التي قد تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات بما يخفف الضغط على النظام المصرفي الذي يرزح تحت وطأة العقوبات. وتقضي خطة عمل مشتركة تم الاتفاق عليها في جنيف في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي بأن تفتح القوى العالمية قناة مالية لتسهيل التجارة الإنسانية لتلبية احتياجات إيران المحلية باستخدام إيرادات النفط الإيرانية المحتجزة في الخارج. وتنص الخطة على أن تشترك في هذه القناة مصارف أجنبية متخصصة ومصارف إيرانية غير موصومة يتم تحديدها عند تأسيس القناة، وتحرص طهران التي يعاني اقتصادها من ضغوط شديدة على تنفيذ هذه الخطة. وتفيد الوثيقة الحكومية الإيرانية رغم أنها أوضحت أن الأمر ليس نهائيا أنه "تم إخطارنا أنه وفقا للمفاوضات والاتفاقات التي أبرمت في جنيف فإن إمكانية تبادل خطابات اعتماد مباشرة بين سبعة مصارف أوروبية وثمانية مصارف إيرانية للسلع الغذائية والطبية والإنسانية أصبحت متاحة". وامتنعت وزارة الخزانة الأمريكية ومسؤولو الاتحاد الأوروبي عن التعقيب، لكن مسؤولا أمريكيا أكد أن واشنطن تجري مباحثات مع بعض المصارف، مضيفاً أن بعض المصارف مستعدة للقيام بدور في هذا الصدد، لكن ليست كلها، وثمة مصار كبيرة كثيرة تعرضت لغرامات لاشتراكها في صفقات خرقت العقوبات الأمريكية وليست مستعدة لعمل شيء حتى لو كان لأغراض إنسانية، وهم ليسوا على استعداد لإبرام صفقات مع إيران، ولسنا في وضع يسمح لنا بأن نقول لهم إن عليهم أن يفعلوا ذلك. ويبحث المسؤولون عن الجهات الرقابية في نيويورك وواشنطن انتهاكات محتملة ربما يكون بنكا كريدي أجريكول وسوسيتيه جنرال الفرنسيان ارتكباها وخرقا بذلك عقوبات أمريكية فرضت على دول مثل إيران. وفي عام 2012 هددت السلطات الرقابية في نيويورك بإلغاء ترخيص مصرفي لستاندرد تشارترد بعد أن خرق العقوبات على إيران، وفرضت السلطات الأمريكية غرامة قيمتها 1.92 مليار دولار على بنك (إتش.إس.بي.سي) لمجموعة مختلفة من المخالفات من بينها إبرام صفقات مع إيران، وفي شباط (فبراير) الماضي خصص بنك (بي.ان.بي باريبا) الفرنسي 1.1 مليار دولار لتغطية غرامة محتملة لخرق عقوبات الأمريكية على دول من بينها إيران. وذكرت عدة مصادر مصرفية مشترطة عدم الكشف عن هويتها لحساسية الموضوع أن المصارف الغربية تخشى الاشتراك في المبادرة الأخيرة، بسبب أن المصارف ستحتاج لتأكيدات مطلقة أنها لن تواجه احتمال التعرض لعقوبات قبل التفكير في الاشتراك. وأوضح المصرفي أن من الطبيعي أن المصارف ستتوخى الحذر فيما يطرحه العالم السياسي، فهو يتغير بسرعة كبيرة مثلما تشهد الأحداث في أوكرانيا، وما قد نبحثه هو عمليات تمويل أو مشاركات أو هياكل قصيرة الأجل جدا بحيث يتاح لك فيها خيارات للانسحاب إذا سارت الأمور على غير ما يرام، والمصارف تحتاج لمزيد من الوضوح. وكانت إيران وحكومات غربية توصلت إلى اتفاق مؤقت في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي بشأن البرنامج النووي الإيراني مقابل تخفيف محدود للعقوبات لفترة ستة أشهر، وبحلول أواخر تموز (يوليو) المقبل تأمل الحكومات الغربية إبرام اتفاق نهائي يضع حدا للشكوك في سعي إيران لامتلاك قدرة على تصنيع قنبلة نووية، فيما تنفي طهران أنها تسعى لذلك وتطالب برفع العقوبات. وأشار مسؤولو الحكومة الإيرانية إلى أن الوثيقة تضمنت قائمة ببعض المصارف باعتبارها متاحة للاتفاق معها، وهي بنك ستاندرد تشارترد (لندن)، وبنك سوسيتيه جنرال (باريس)، وبنك دو كوميرس ايه دو بليسمون (بي.سي.بي) (جنيف)، وبنك أوني كريديت (ميونيخ)، وبنك كوميرتسبنك (فرانكفورت)، ويونايتد بنك (زيوريخ)، وبي.إتش.إف. بنك (فرانكفورت). ولم يتضح ما إذا كانت اتصالات تمت مع هذه المصارف لتوفير التمويل، وقال اثنان من المديرين التنفيذيين المطلعين على المبادرة إنهما على علم بأن بنوك ستاندرد تشارترد وسوسيتيه جنرال وكوميرتسبنك من بين المصارف الواردة في القائمة، فيما امتنعت بنوك سوسيتيه جنرال ويونايتد بنك وبي.سي.بي وبنك دو كوميرس ايه دو بليسمون عن التعقيب. وأشارت متحدثة باسم ستاندرد تشارترد إلى أن المصرف ليس مشتركا في الخطة ولن يشارك في أي صفقة مع أي طرف من إيران، بينما قال بنك أوني كريديت إن المجموعة ليست على علم وبالتالي ليست مشاركة في أي مبادرة دولية تشمل مؤسسات مالية ذات صلة بإيران في أعقاب اتفاق إيران والقوى العالمية، فيما ذكر بنك بي.إتش.إف أنه لا يقدم أي خدمات مالية لها صلة بإيران. وامتنعت السلطات المصرفية السويسرية والألمانية عن التعقيب رغم أن مسؤولين في ألمانيا قالوا إنه إذا كانت المصارف تلتزم بالامتناع المطلق عن إبرام صفقات مع إيران فإن الحكومة على استعداد لشرح ما تم التوصل إليه من تخفيف للقيود. ووردت في الوثيقة أيضا أسماء مصارف إيرانية، هي بانك اقتصاد نوين، وبانك بارسيان، وبانك باساركاد، وبانك كارافرين، وبانك سرمايه، وبانك سامان، وبانك مسكن، وبانك كيشاورزي. وقال مسؤول كبير بالحكومة الإيرانية مطلع على سير المحادثات النووية إن الإيرانيين يحرصون على التوصل لذلك بأسرع ما يمكن وتعمل فرق على هذا الموضوع، مضيفاً أنها كانت مبادرة إيرانية لكن الطرف الآخر (القوى الغربية) وافق على ذلك رغم أنه حدث خلاف داخلي على قائمة المصارف الغربية، وقد حدثت بالفعل بعض الاتصالات المباشرة بين الإيرانيين ومسؤولي مصارف مختلفة في أوروبا منذ تشرين الثاني (نوفمبر) لكن الاتفاق النهائي يحتاج مزيدا من العمل واللقاءات. وأحالت المصارف الإيرانية التي وردت أسماؤها في القائمة الأمر برمته إلى البنك المركزي الإيراني الذي امتنع عن التعقيب، وأكد مصدر دبلوماسي غربي أن المبادرة قيد البحث وقال إن القوى الغربية ترى أن هذا الترتيب يحقق مزيدا من الشفافية في الصفقات التجارية.