أوكسبيردج، ضاحية من ضواحي لندن، أو هكذا يظن البعض، بينما يصر أبناؤها على اعتبارها مدينة أخرى، لها مركزها وأسواقها، ونهر يتفرع بطريقة ما من التايمز، ويمر مقسما كل شيء في طريقه حتى جامعة برونيل نفسها، والتي جلبت للمنطقة آلاف الطلاب الأجانب خاصة السعوديين، التي سميت الجامعة باسمهم قبل أن تنتبه الملحقية لهذا التكدس وتوقف القبول فيها قبل سنوات قليلة. في أوكسبيردج، شاهد عمر عجوزاً بريطانية واقفة في الباص، فقام وأجلسها مكانه.. شكرت عمر كثيراً ثم التفتت نحوي تسألني إن كنا مهاجرين ومن أين؟ نفيت ذلك لها وأخبرتها أني سعودية، فردت بسرعة بما معناه آسفة لأجلك ووضعت يدها على خدها وهي تنظر نحوي بشفقة فسألتها لم؟ فردت هل صحيح يمنعونكم من القيادة مدعين أنها تمنع الإنجاب! تقول بوابة المبتعثين لنا كل صباح أنتم سفراء الوطن، لكنه حمل ثقيل جداً تتحمله كل يوم تواجه فيه مثل هذه النظرة، ويصير لزاماً عليك أن تدافع عن وطنك في الوقت الذي يجب أن تهاجم المعرفة والتطور لتقتنصها، ناهيك عن ضعف قدرة الطلاب على الرد وتفتيت هذه النظرة. أذكر مرة في معهد اللغة سألت الـ"تيتشر" عن قيادة السيارة ومعي زميل سعودي في الفصل فرد: إن بلادنا كبيرة والشوارع كثيرة ونحن نخشى على المرأة من القتل والاغتصاب إذا قادت، لترد الـ"تيتشر" برد صادم جداً للطالب ولي/ لذا أعتذر عن كتابته هنا. إن نقل صورة بلد ما، هي مهمة الـ"ميديا"، أو بمعنى أصح الإعلام، الصحافة، التلفزيون، الأدب والشعر والرواية، لكنها للأسف عندنا تنقل الجانب المشوه حتى يكاد يبدو حقيقة في نظر الرأي العام. لكن لو نظرت لها في بلادنا، تجدها في معظمها تركز على نقل الصورة السلبية وربما يوضح أكثر التركيز على شخصيات غير سوية يتم إظهارها إعلامياً ثم يسخر منها الناس في تويتر، ويتفق الجميع على عدم حكمتها، فلا تجد سببا لهذا الدعم المتواصل لها إعلامياً وفي كل قضية تتم استضافتها، في برامج حوارية لتدلي بدلوها فيه، فتعد تلقائياً من رؤوس الفكر والمدافعين عن حقوق الإنسان كمثال على ذلك شخصية نسائية عرفت كناشطة سياسية ليبرالية، وعند تتبع أفكارها لا تجد أياً من ذلك فيها، حتى عندما استضافها المذيع والشاعر المعروف زاهي وهبي، لتقوم كاتبة لبنانية بكتابة مقال هجائي في الناشطة عادة إياها مثالا للمرأة السعودية. لدينا عشرات النساء العظيمات والمميزات ولا يظهرن كما تظهر هذه وصاحبتها التي تتبادل الشتائم والقضايا معها. مثل هذه الحقوقية، مدعو العلم الشرعي الذي أصبح الواحد منهم شيخاً ومفتياً وعلامة وطبيب نساء وتوليد، وهذا قد يحدث، أعني أن يشعر الإنسان أن ما يقوله مهم وأكثر دهاء وعلما من غيره، لكن المشكلة تكمن في الآلة التي تنقل هذا الرأي وتنشره هي من تجعل له أهمية. عندما تقرأ لأحلام مستغانمي تمر بك الجزائر كالحلم، بلاد الجسور ومدن النساء الفاتنات، عندما تقرأ إيزابيل الليندي، تصبح تشيلي أكبر من مساحتها عشرات المرات، السؤال هنا: بماذا تشعر عندما تقرأ رواية سعودية؟ ذات يوم نشر سعدي يوسف الشاعر العربي المعروف مقالة في موقعه هي بالأصل رسالة من قارئ سعودي يئن مما يقرؤه في الروايات السعودية التي أصبحت خلطتها السرية معروفة للجميع، استنكر المثقفون السعوديون هذه الرسالة وتهجموا على الرجل ولم ينظروا للأصابع التي تتجه نحوهم، الروايات بضاعتكم التي ردت إليكم. عندما قدمنا فيلماً وشاركنا به خارج المملكة، وادعينا أنه سيفوز بالأوسكار كان فيلما يقول إن الفتيات السعوديات لا يقدن الدراجات. هل هذا واقعنا وهل كنا محرومات حقاً من عيش طفولتنا إلى هذه الدرجة. في الواقع الفن ليس وسيلة ضغط أو تشهير أو "يافطة احتجاج" كما يبدو أن مخرجة الفيلم هيفاء المنصور تظن. إن الأفلام الأميركية لاتقدم لك إلا ما تريد أن تراه أنت عنها، هي تدعم الإيجابية ليست نظرتنا فقط، بل في داخل المجتمع عبر صورة البطل المميز الصادق والشوارع النظيفة والبيوت المرتبة والسيارات الفارهة رغم أن واقعهم أسوأ بكثير. لسنا ملائكة، لكننا لسنا شياطين. إن صورتنا مهمة جداً خاصة في هذه الفترة التي تعاني بلادنا من هجمات إعلامية في غالبيتها أكاذيب، لكننا لا نهتم بتصحيح النظرة حولنا على الأقل بتقديم الحقيقة؛ وأن لدينا من الرجال والنساء من يستحقون الاحتفاء بهم، لدينا قوانين جيدة ومنصفة وبيئة آمنة ونحاول أن ننطلق بقدر ما نستطيع.