×
محافظة المنطقة الشرقية

ثقافي / غرفة الأحساء توّثق زيارة خادم الحرمين الشريفين للأحساء بعدد خاص / إضافة أولى واخيرة

صورة الخبر

على مر التاريخ الإنساني، واجهت الديمقراطية تحديات عديدة، في بعض المراحل التاريخية، انتكست وتراجعت فيها، لكنها سرعان ما عادت قوية نشيطة، واجهت الديمقراطية في الماضي تحديات الفاشية والنازية والشيوعية والأنظمة الدكتاتورية، وانتصرت، واليوم تواجه الديمقراطية الليبرالية الغربية، تحديين قويين جديدين، أولهما: تحدي الموجة الشعبوية اليمينية القومية المتصاعدة في العديد من المجتمعات الغربية وفي الولايات المتحدة الأميركية، وهي موجة عنصرية متعصبة، تعادي القيم الليبرالية كالحرية والمساواة والعدالة واحترام حقوق الإنسان، كما تعادي الآخر القادم من أصول غير أوروبية، وتنظر إليه كعدو مهدد للهوية الوطنية والقومية وللثقافة الغربية، ولاسيما بعد تزايد أعداد المهاجرين واللاجئين، وارتفاع معدلات التناسل لدى الجاليات المقيمة في المجتمعات الأوروبية والأميركية في مقابل شيخوخة القارة العجوز، وتراجع معدلات تناسل الرجل الأبيض! لقد حققت الموجة الشعبوية اليمينية انتصارات عديدة مؤخراً، أوصلت دونالد ترامب إلى منصب الرئاسة الأميركية، مكذبة كل الاستطلاعات التي رجحت فوز المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، ورجحت كفة الغالبية البريطانية التي صوتت للخروج من الاتحاد الأوروبي، وكانت وراء الأغلبية الشعبية الإيطالية التي رفضت خطة الإصلاح الاقتصادي، وكانت من مسببات فوز اليميني "فيون" على منافسيه الأكثر اعتدالاً في الترشح للمنصب الرئاسي الفرنسي، وفي ظل هذا الاكتساح للموجة الشعبية، فإن جميع المؤشرات تشير إلى أن القادة الشعبويين هم الذين سيحكمون أوروبا، السنة القادمة، وبخاصة أن الأحزاب اليمينية الشعبوية حققت معدلات انتخابية متقدمة في العديد من دول الاتحاد الأوروبي، بل إن مصير المنظومة الاتحادية الأوروبية، ككيان اقتصادي، مهدد بالتفكيك والانقسام إذا وصل الشعبويون إلى السلطة، لأنهم كما يكرهون الأجانب يكرهون أيضاً، الاتحاد الأوروبي الذي سمح للمهاجرين بغزو أوروبا وفرضهم على بلدانهم، وسلب منها السيادة الوطنية وطمس هويتها الأصلية. أما التحدي الثاني فهو الأخطر للديمقراطية الغربية، وهو التحدي الإرهابي "المعولم"، الذي نجح في ضرب العواصم الأوروبية، في عقر دارها، بل على يد أبنائها المنحدرين من ذوي الأصول الشرقية، لقد أثبتت كل العمليات الإرهابية البشعة التي ضربت باريس وبروكسل ولندن وغيرها من المدن الأوروبية والأميركية، أن الديمقراطية - كنظام سياسي أمني - عاجزة تماماً عن حماية مجتمعاتها أمام الخطر الإرهابي، بسبب تغليبها "الجانب الحقوقي" المتعلق بحقوق الإنسان على "الجانب الأمني"، بدليل أن الإرهابيين والمشتبه فيهم وأصحاب السوابق الإجرامية، كانوا يتنقلون بحرية وسهولة بين الدول الأوروبية، وتحت أنظار رجال الأمن الذين كانوا يقفون عاجزين عن اتخاذ اي إجراء ضدهم، ينقذ المجتمعات من مخططاتهم العدوانية، بل إن "الفلسفة العقابية الغربية" وصلت في تساهلها وتسامحها وتسيبها إلى حد "تدليل السفاحين"، وكل ذلك بحجة حماية حقوق الإنسان، وحرياته! هذا التساهل والتسامح الذي يصل إلى حد تدليل المجرمين والإرهابيين، هو الذي ولّد في النهاية "ردود فعل" قوية لدى شعوب المجتمعات الديمقراطية، وهز قناعاتها وثقتها، ليس فقط بسياسات حكوماتها الأمنية "المتراخية" في حمايتها، بل أيضاً، وهو الأخطر، بالديمقراطية نفسها، كنظام وقيم وسلوكيات وآليات وإجراءات. أخيراً: فإن موجات الطوفان البشري المتدفق الذي يغزو أوروبا، وانتشار الإرهاب المعولم، وعجز المنظومة الأمنية الأوروبية عن مواجهته، والهجمة القومية المندفعة للأيديولوجية الروسية المدججة بالسلاح الثقيل، والمسمى بـ "النظامية" orderism، في مقابل عجز الديمقراطية الأميركية وفشلها في المواجهة، طبقاً لوحيد عبدالمجيد، كلها عوامل زلزلت قناعات الشعوب - هنا وهناك - بجدوى الديمقراطية، كنظام كفء، في مواجهة التحديات المستقبلية، وهذا يفرض على الأنظمة الديمقراطية، سرعة المبادرة إلى تصحيح أوجه القصور والخلل في السياسات المتبعة، وإلى مزيد من الإصلاحات الداخلية، وإلا فإن مستقبل الديمقراطية، وكذلك مستقبل "الليبرالية" التي راهن عليها فوكاياما في "نهاية التاريخ" معرضان لمزيد من التراجع والانحسار، وقد تراجعت الديمقراطية اليوم، فعلاً، في 48 دولة. * كاتب قطري