كان الملك فؤاد يشكو منذ حداثته، من حالة عصبية تحرك في أثناء كلامه نوعًا نت للسعال الشبيه بـ «الكحّة»، ومن المعروف أنه لما كان أميرًا تزوج من الأميرة شويكار ثم طلقها، فحدث أن شكت شويكار إلى شقيقها الأمير سيف الدين سوء معاملة زوجها لها، فذهب سيف الدين يومًا إلى نادٍ كان فؤاد يتردد عليه، ثم أطلق عليه الرصاص، كمّا ذكر كريم ثابت، في كتابه الصادر عن «دار الشروق»، بعنوان «عشر سنوات مع الملك فاروق». ونقل فؤاد إلى المستشفى، فاستخرجت الرصاصات من جسمه، ونجا من الموت، وعلى إثر هذا الحادث تفاقمت الحالة العصبية الأصلية، وتحولت كحّته إلى مرض جديد، فأضحت أقرب إلى النباح منها إلى السعال. وشاع يومئذ بين الناس أن إحدى الرصاصات التى أطلقها سيف الدين عليه، استقرت في صدره فأنشأت له هذه العلة، أما الحقيقة هي أن العلة ولدت معه، ثم استفحلت في أعقاب حادثة الاعتداء عليه، وكان هذا الصوت الغريب الذي يصدر عنه «يفلت» منهُ كلما تكلم. وكان يتكرر هذا الأمر مرارًا وتكرارًا خلال الحديث الواحد، ولم يكن لتكرره بين مرة ومرة وقت محدود أو معلوم، فأحيانًا كان يتكرر بعد نصف دقيقة أو دقيقة، وأحيانًا كل دقيقتين، ولوحظ أنه كان يشتد، وأن فترات انقطاعه كانت تقصر، إذا كان الملك غاضبًا أو متعبًا، أو هائج الأعصاب لسببٍ ما، فتتكاثر الطلقات، فيخيل إلى الذي يسمعها ولا يرى مصدرها أنها نوع غريب من النباح المتقطع. وحدث ذات مرة، بعد ارتقائه العرش أن استقبل وفدًا من أعيان مدينة حلوان، وكان على رأس الوفد، شيخ يجهل علته، ولم ينبه أحد إليها قبل المقابلة، فما كاد جلالته يُطلق في وجهه كحّته المعروفة، حتى صاح الشيخ قائلاً: «يا ساتر وسقط على الأرض مذعورًا». ومنذ ذلك اليوم، كان رجال التشريفات إذا ارتابوا في أن الزائر يجهل الحكاية، كاشفوه بها وأعدّوه لسماع السعال الذي يشكو منه مولانا بسبب برد خفيف. وفي سنة 1929، زار الملك فؤاد ألمانيا زيارة رسمية صحبتهُ فيها، على لسان، كريم ثابت، وكان المرشال هندنبرج رئيسًا للجمهورية الألمانية آنذاك، أو الرايخ الألماني كمّا كانوا يسمونه، وتضمن برنامج الزيارة دعوة إلى حفلة ساهرة في دار الأوبرا، وتقرر أن يجلس الملك والمرشال في المقصورة الإمبراطورية، وتقوم هذه المقصورة في مؤخرة القاعة في الجهة المقابلة للمسرح، بحيث يتسنى للجالس فيها أن يشاهد جميع أرجاء القاعة. وبينما كانت الموسيقى تعزف لحنًا هادئًا ناعمًا، والقاعة في سكونها تبدو كأنها خالية من الناس، انطلق صوت غريب، وهو كحّة الملك فؤادـ، وارتسمت على وجوه الحاضرين علامات الاستغراب لسماع صوت لم يألفوا سماعه داخل دار الأوبرا، ولم يخطر ببال أحد أن هذا الصوت انبعث من المقصورة الرئيسية الإمبراطورية، فظنوا أنه من الخارج، فعادت الموسيقى إلى عزف لحن عذب، وإذا الصوت ينطلق مرة ثانية وثالثة. ونسى القوم عندئذ أنهم أهل نظام، وسألوا بعضهم عن مصدر الصوت، وساد القاعة شئ من الهرج والمرج، ثم جاءت فترة الاستراحة، فقال رجال التشريفات، أن الملك مصاب بعاهة من فعل رصاصة، وهى التى تتسبب في هذا الصوت، وبعد ذلك رفع الستار واستأنفت الموسيقى عزفها، وبعد قليل شق هذا الشئ الآخر حجب السكون المُخيم على القاعة. وبعد انتهاء الحفل، قال كريم ثابت، إن الصحف تحدثت عن الأمر، وعند زيارة الملك لسويسرا، في مرة أخرى، سألت قرينة أحد الحكام السويسريين، لماذا يعمل الملك هذا الصوت عندّما ستكلم، فقال لها ثابت إن الملك يشكو من برد خفيف، فقالت إن هذا الصوت ليس سعالاً ولا يُمكن أن يكون من أثر برد، وأصرت تلك الفتاة على معرفة القصة الحقيقية، فانتشرت القصة في سويسرا أيضًا، فكانت الكحّة مثل الوحمة التى تُصاحب الملك فؤاد في كل مكان.