رغم وجود وتدفق التجارب السينمائية التي تتطرق لقضايا الهوية والانتماء ما بين فرنسي وعربي، لكن أبواب الاجتهاد مفتوحة ويظل الموضوع يفتح شهية السينما. يروي المخرج فريد بن تومي في فيلمه "حظ سعيد الجزائر" قصة شقيقه نور الدين بن تومي، الذي مثّل الجزائر في الألعاب الأولمبية الشتوية 2006 في رياضة التزلج للمسافات الطويلة، حيث تدور أحداث الفيلم في قالب كوميدي ودرامي وكذلك رياضي، وقد واجه المخرج هذه التحديات وتعقيدات كثيرة في هذا الفيلم، وبحسب تصريحاته فقد كتب النص عن قصة واقعية والعمل جمع بين الكوميدي والدرامي والرياضي، وبذل طاقة ومجهودات كثيرة ليصل لهذه النهاية. هذا الفيلم يحوي الكثير من الأفكار والعناصر والقضايا ويحسب للمخرج فعلا الخروج بهذه النتائج وبالتأكيد كانت هناك قضايا بحاجة للضغط عليها أكثر، فمثلا الأب المغترب في فرنسا كان يأمل أن يتم دفنه في مسقط رأسه بعد موته ولمسنا معارضة ابنته لهذا الحلم الأخير بدعوى أنه مكلف ولذلك أخذت موعد مع الجهة المختصة بالمدينة لتحجز له قبرا، حلم الأب تم التعامل معه بطريقة حسابات مادية بالرغم أنه أمنية ليس كضرورة دينية ولكن القضية أكبر من الديني، فعودة المرء إلى حضن الوطن حيا أو ميتا هذا الحلم طبيعي وروحاني تراود أي مغترب وهو ليس ترفا ولا تخاريف العجزة. يضحي الأب بكل ما يملك وخاصة أرضه في الجزائر كي يتحقق حلم ولده ويتمكن من الوصول إلى الألعاب الأولمبية الشتوية ورفع العلم الجزائري في هذا المحفل الدولي وكذا عدم خسارة ورشته التي تنتج مستلزمات التزلج على الجليد. شخصية والد البطل، مهمة وتحضر بقوة وجذبتنا إليها، فالرجل متزوج روسية ويقيم في فرنسا ولم ينس أو يتنكر لأصله وأهله وأشجاره في الجزائر، وهذا يعطينا الكثير من الاحاسيس وأن له قلبا كبيرا ويضعنا ببساطة مع ثنائية القومية فهي ليست نقصا أو خطيئة ولا خيانة. شخصية الأم كذلك مدهشة فرغم وجودها في فرنسا وجذورها الروسية إلا أنها تتحدث الدارجة الجزائرية، وتندمج مع نساء تلك القرية الريفية الجزائرية ورغم أنها ظهرت كشخصية ثانوية لكنها تنطبع في ذهننا وكانت تستحق مساحة أكبر في الفيلم. المسار الأول، يتقدم لنا هذا النوع من المهاجرين الذين يجهلون لغتهم وأصولهم ويجدون صعوبة في مجرد التفكير في وطنهم الأم، هذا النوع يظن أن جنسية أخرى ولغة أخرى حصل عليها تكفيه وتغنيه لذلك يندمج في حياته ويظنها نموذجية ودائمة ولكن مع أول صدمة عنيفة يجد نفسه غريبا وعاريا وليس له وطن. سمير أو سام له حياته وعمله ولم يشعر يوما بحاجته للجواز أو الجنسية الأصلية أي الجزائرية، وعندما يتوقف عمله ويشعر بالصدمة يقترح عليه صديقه تمثيل الجزائر في الألعاب ألأولمبية يستبعد الفكرة ويراها ضربا من الجنون كونه يجهل ذلك الوطن ولم يشعر به، لكن الظروف تدفعه للمجازفة ويبدأ رحلة شاقة من التدريبات والمعاملات ويصطدم بعوائق وفساد الهيئات الرياضية والرسمية في بلده، كما أنه يجد نفسه عاجزا عن فهم أهله في القرية ويشعر بالغربة فهو لا يعرف نطق كلمة عربية واحدة بشكل صحيج. يرفض وصية والده بالحفاظ على الأرض وأشجار الزيتون ويعتبر أن هذا بعيد كل البعد عن عمله وأن لا فائدة منها ولكن يدافع عن الأرض كونها ملكا لوالده ولا يحق لعائلة والده أخذها، قانون العرف في القرية يعطي ملكية الأرض لمن يزرعها ويهتم بها ويحرم الملكية لمن يهملها، هو لا يفهم ماذا يعني أرض وشجر؟ من خلال هذا الفيلم حاول المخرج فريد بن تومي في فيلمه "حظ سعيد الجزائر" أن يناقش المفاهيم الخاطئة حول قضايا التوافق الثقافي المعاصرة بين العالم العربي والمجتمع الغربي، ويقدم الرؤية في شكل اجتماعي بحاجة للنقاش والفهم بسبب تعقيدات كثيرة وليس من السهل أن يزعم أي مخرج بأن فيلمه متكامل نموذجي، فرغم وجود وتدفق التجارب السينمائية التي تتطرق لهذه القضايا، لكن أبواب الاجتهاد مفتوحة ويظل الموضوع يفتح شهية السينما مع ضرورة طرح أساليب جديد والبعد عن القوالب الجاهزة والتكرار وكذلك الشكل الكوميدي الساذج. سامي بن عجيلة، اختصر علينا المسافات بتقديمه شخصية سامي، جذبنا وربطنا بالبطل فهو لم يقدم شخصية خارقة، البطل إنسان عادي يحلم ويصاب بالإحباط أحيانا ويكاد يترك مغامرة الوصول إلى البطولة، لكن حديثه مع أمه التي أفهمته أن حلم الوصول ورفع العلم الجزائري أصبح واجبا عليه فوالده ينتظر هذه اللحظة وكذلك أهله وكل جزائري كونه عرض هذا الحلم عليهم جميعا ولا يحق له سحبه، سمير لم يكن يفهم أو يحس معني الانتماء والفخر والاعتزاز بالأرض والوطن، هذه الرحلة علمته الكثير، ورغم فساد الهيئة الرياضية وسرقة الدعم الذي حصل عليه من الإتحاد الدولي لتسهيل مشاركته، قرر سمير قهر المستحيل فهو ليس رياضيا محترفا لكن عليه تحقيق حلم والده ورفع علم بلد يحسُّ أنه منه وإليه. تعرض الفيلم كذلك لقضايا عديدة وطرحها في شكل فلاشات منها متغيرات اجتماعية جديدة مثل تعرض طفلته للسب من زميلها بالمدرسة ووصفه لها بالعربية القذرة، كذلك نقاشات سامي مع زوجته عندما قالت له منذ متى أنت جزائري؟ رد عليها لو سألتك كم نسبة شعورك أنك ايطالية ونسبة شعورك أنك فرنسية؟ أي أن مثل هذه القضية والحالة يصعب تقيمها بنسب وحسابات مادية فهي مشاعر داخلية وكذلك سلوك وتصرفات، أن تكون منتميا لبلد عربي وتقيم في بلد أوروبي فأنت تنتمي إليه أيضا وتحترم قوانينه وواجباتك كمواطن ومحبة وطنك وأرضك وأصولك ليست خيانة، المشكلة أن التعقيدات تحدث من الإنفصال اللغوي وعندما يحدث تصبح كارثة، فالوطنية والثقافة والانتماء تبنيها مقومات تربوية وكذلك لغوية، الجهل باللغة العربية وتضخمه في أبناء العرب المهاجرين قد يعجل بانفصال هؤلاء عن هويتهم الأصلية ويجعلهم غرباء عن أوطانهم.