×
محافظة المنطقة الشرقية

«التغير المناخي» تطلق المجلس البيئي الاقتصادي

صورة الخبر

رحم الله الأديب الأريب، والشاعر الفيلسوف، والتربوي الحكيم، والإداري الحليم، والصديق الودود، الأستاذ الدكتور: (إبراهيم بن محمد الزيد)، الذي لاقى ربه منتصف الأسبوع قبل الفارط، بعد صراع مع المرض الذي حال بيني وبين أن ألقاه وأراه في آخر أيامه؛ كما كنت ألقاه وأراه في الطائف المأنوس، وفي جدة طيلة أكثر من أربعة عقود مضت. عرفت فقيد الأدب والشعر والنبل والشهامة أبا خالد أول مرة؛ في أروقة نادي الطائف الأدبي في بدء تأسيسه. كان أبو خالد من مؤسسي النادي، ومن أعضاء مجلس إدارته، ومن أشهر شعراء منبره في الأعوام التي تلت عام 1395هـ، لكن لقائي المعرفي به بدأ من (المحراب المهجور). وقع في يدي ديوانه الشعري (المحراب المهجور) عام 1398هـ على ما أظن. كنت وقتها أحرر صفحة أسبوعية في الصحيفة المرحومة (الندوة) كل سبت عنوانها: (الطائف في أسبوع). قرأت الديوان أكثر من مرة، وتأثرت بما في شعره من حزن، ومن حماسة وطنية، وغيرة قومية، ونصرة لقضايا العرب ومستقبلهم المحفوف بمخاطر الخلافات والصراعات، وتوقفت أكثر عند النظرة الفلسفية في أكثر من قصيدة في الديوان، وخاصة في قصيدة المحراب المهجور التي فرضت نفسها عنوانًا للديوان. كتبت تقريرًا عن الديوان في صفحتي (الطائف في أسبوع)، وكان أبو خالد - رحمه الله - وقتها في إنجلترا يحضر للدكتوراه، وبعثت إليه بنسخة من الجريدة على عنوانه في لندن، فلم تمر سوى أيام قلائل حتى حمل إلي البريد؛ جوابا لطيفًا منه، يشكرني ويذكرني بكل ما هو خير. مرت أربعون من السنين على هذا اللقاء الأول مع (المحراب المهجور). وطيلة هذه السنين؛ كان هذا الديوان يحتل مكانه بين عشرة آلاف مجلد في مكتبتي الخاصة، إلى أن حانت ساعة اللقاء الثاني. يا للقدر.. صبيحة يوم الثلاثاء السابع من هذا الشهر الهجري، تلقيت النبأ المؤلم بوفاة الصديق الصدوق الأستاذ الدكتور (إبراهيم بن محمد الزيد). هاتفني صديقنا المشترك الأستاذ (موسى السليم)؛ ناعيًا ومعزيًا في فقد علم بارز من أعلام نهضتنا الأدبية والشعرية والإدارية أيضًا. ووسط مشاعر مختلطة من الحزن والألم والحسرة؛ وجدتني أتذكر (المحراب المهجور)، وأتجه فورًا إلى حيث كتب الشعر والأدب في مكتبتي. وقع نظري على (الديوان المهجور) بين آلاف الدواوين وكتب الأدب بسرعة لم أتوقعها. يا إلهي.. شكّل هذا الديوان بوابة معرفية بيني وبين صاحبه قبل أربعين عامًا، ثم ها أنا ألتقيه فيه ثانية، ولكنه لقاء الوداع الذي لا لقاء بعده. بعد عودته من لندن؛ كان- رحمه الله- قريبًا من جميع زملائه التربويين والمثقفين والإداريين. توثقت علاقتي به أكثر وأكثر بعد أن صرنا نلتقي في المناسبات الأدبية والثقافية، وبعد أن صدرت له دواوين شعرية، وبحوث ودراسات في الأدب والأنساب والتاريخ. قرأت له بعد ديوان (المحراب المهجور)؛ ثلاثة كتب محققة: (المنتخب في ذكر أنساب قبائل العرب- بهجة المهج في بعض فضائل الطائف ووج- أحمد بن عبد الله المنصوري- تاريخ الشيخ محمد بن عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ). وقرأت له: (قراءات في شعر الشيخ سليمان بن سحمان - الرئاسة في قبيلة زهران - ديوان أغنية الشمس- وديوان جراح الليل). وكان أبو خالد- رحمه الله-، من أفضل الباحثين والدارسين الذين نشرنا لهم في (لجنة المطبوعات في محافظة الطائف). تأسست اللجنة عام 1408هـ، وكان لي شرف رئاستها، وتمكنت اللجنة بفضل الله من نشر أكثر من خمسين كتابًا، منها ثلاثة كتب تحمل توقيع (الأستاذ الدكتور إبراهيم بن محمد الزيد). نشرنا له كتابه الشهير: (عثمان بن عبد الرحمن المضايفي.. أمير الطائف والحجاز في الدولة السعودية الأولى). ثم نشرنا له: (عبد العزيز بن إبراهيم آل إبراهيم.. أمير عسير والطائف والمدينة المنورة وعضو مجلس الوكلاء في عهد الملك عبد العزيز)، ونشرنا له تاليًا عام 1427هـ كتابه: (الجامع من تاريخ غامد وزهران)، وهذا الكتاب يحمل الرقم 49 في سلسلة منشورات لجنة المطبوعات في محافظة الطائف. وعندما اشتغلت على الموسوعة الشعرية: (الشوق الطائف حول قطر الطائف)، كان أبو خالد من الشعراء المكثرين شعرًا في الطائف وللطائف، فنشرت له سبع قصائد هي: (أفراح المصيف- في شهار- ليّة- عيون الردف- بين قروى والسلامة- في رحاب- في لغب). ذهب صاحب (المحراب المهجور)، وبقي محرابه الذي يرفع رايات سمو أخلاقه، ونبله وشهامته، ويعرض شعره وأدبه وأبحاثه الرصينة من بعده. كان أبو خالد موظفًا تربويًا وأكاديميًا، ثم إداريًا ناجحًا في إمارة عسير وإمارة الباحة. تقاعد من كل هذه الوظائف الرسمية، وتفرغ للوظيفة الأهم التي تولد مع صاحبها، وتظل معه، ولا يتقاعد منها حتى بعد وفاته. إنها وظيفة الأدب والشعر والبحث والكتاب وما يكتبون. هل سمعتم أن أديبًا أوشاعرًا وباحثًا ودارسًا وخدين كتاب؛ تقاعد من هذه الوظيفة الأبدية التي يمارسها صاحبها حتى وهو ميت..؟! رحم الله الأستاذ الدكتور (إبراهيم بن محمد الزيد)، كم كان مدرسة متفردة في الأدب وحسن الخلق، وفي نتاجه الغزير الرصين؛ من شعر وأدب وبحث. إن فراقه لمرّ حقيقة. شَيئانِ لَو بَكَتِ الدِماءَ عَلَيهِما عَينايَ حَتّى تَأذَنا بِذِهابِ لَم تَبلُغِ المِعشارَ مِن حَقَّيهِما فَقدُ الشَبابِ؛ وَفُرقَةُ الأَحبابِ