غادرت سيما زين منزلها الوحيد وهي تحمل حقيبة ملابس وقطعتين من المجوهرات المفضلة لديها، من أجل السفر على متن حافلة، مليئة بملصقات لصور العدو، متجهة نحو مستقبل مجهول. وكانت الرحلة كئيبة يشوبها شعور بالخوف والبكاء، حيث كانت سيما تبكي بسبب ابتعادها عن المدينة والأصدقاء الذين تركتهم وراءها، كما أنها كانت خائفة من أن تقوم القوات النظامية بإيقاف حافلة الإجلاء التي كانت تحمل صورة للرئيس السوري، بشار الأسد. وقالت سيما، في مقابلة عبر الهاتف من محافظة إدلب، التي تقيم فيها مع والدتها وشقيقتها وبعض أقاربها في غرف مستأجرة: "لقد كان موقفاً مرعباً وحزيناً جداً، عشت في مدينة حلب منذ ولادتي، كما أنني لم أغادرها حتى في زمن الثورة أو في الوقت الذي تمت فيه محاصرة المدينة". وأضافت الفتاة السورية، التي عملت ناشطة في وسائل الإعلام قائلة "شعرت أن ما يحدث قد يكون خدعة للإيقاع بنا، كما أنه لم يكن لدي خيار آخر، لأنني في نظرهم أُعدّ إرهابية". رحلة شاقة وكانت عمليات الإجلاء صعبة وفوضوية، خاصة في ظل تدفق الآلاف من السكان من شوارع حلب المدمرة، التي تسيطر عليها المعارضة، محاولين الظفر بمكان ضمن واحدة من عشرات الحافلات التي تم توفيرها لنقل 50 ألف شخص. وفي هذا السياق، قال مهند، البالغ من العمر 21 سنة، الذي فقد الاتصال مع عمه وابن عمه ووالده خلال الهجوم الأخير، إنه "كان علينا أن ننتظر حوالي أربع ساعات للحصول على مكان في الحافلة". وأضاف مهند "لقد كان الطقس بارداً جداً، وكانت فرق الهلال الأحمر تحاول تنظيم السكان، من خلال ضمان أولوية نقل الأطفال والجرحى، إلا أن المشكلة كانت تتمثل في وجود عدد محدود من الحافلات، وهو ما جعلنا نشعر بفقدان الأمل في الخروج من المنطقة". وتجدر الإشارة إلى أن مهند السوري وجد والده في إحدى الحافلات، إلا أنه لم يلتق بعد بأقاربه المفقودين. وقد قال مهند إن "عمي وابنه لا يزالان عالقين داخل حلب، كما أنني لا أعلم ما إذا تمكنا من الخروج أو أنهما لا يزالان موجودين في المناطق المحاصرة". من جهة أخرى، تمر وسائل الاتصالات في حلب بأسوأ حالاتها منذ بداية الحرب، حيث انقطعت خطوط الهاتف والإنترنت، كما أوشكت البطاريات على النفاد، لأن السكان لم يعودوا قادرين على الوصول إلى مولدات الطاقة التي عادة ما يستخدمونها لشحن هواتفهم. كما تنامت مخاوف بعض السكان من أن تكون عملية الإجلاء خدعة من الحكومة، وهو ما جعل بعضهم يتفادون الصعود إلى الحافلات، كما كان البعض الآخر خائفين من ألا يلتزم بشار الأسد وحلفاؤه باتفاق وقف إطلاق النار إلى حين تمكن المدنيين من المغادرة. الآلاف ينتظرون وخلال يوم الجمعة، توقفت عمليات الإجلاء، بعد أن قام مقاتلون، ينتمون إلى تنظيم القاعدة، بانتهاك بنود وقف إطلاق النار. في المقابل، أفادت تقارير أخرى أن القوات الموالية للأسد قد أوقفت الحافلات التي تُقل المدنيين وقامت بقتل واعتقال الرجال الذين كانوا على متنها. ونشر زهير الشمال، الذي يعمل صحفياً، تغريدة على تويتر بعد عودة حافلته إلى حلب، ذكر فيها أن "آلاف المدنيين مكثوا في انتظار إجلائهم، كما نهب بعض المتشددين أموالهم وأخبروهم أنهم لن يغادروا المدينة". وأضاف زهير أنه "بعد مروره بهذا اليوم العصيب الذي يعتبره أسوأ يوم في حياته، لن يترك المدينة دون قيام الأمم المتحدة بمتابعة هذا الأمر". كما حذّرت منظمة اليونيسيف أنه "لا يزال هناك العديد من الأطفال المعرضين للخطر بين صفوف المدنيين الذين يأملون في الهروب من المدينة". وفي هذا الصّدد، قال مدير منظمة اليونيسيف، أنتوني ليك إنه "لا يزال هناك المئات من الأطفال المعرضين للخطر، بما فيهم العديد من الأيتام، محاصرين داخل حلب. نحن قلقون جداً بشأن مصيرهم، نظراً لأنه من الممكن أن يموتوا في حال لم يتم إجلاؤهم في أقرب وقت. أؤكد أننا، بالتعاون مع اليونيسيف وشركائنا، على أهبة الاستعداد لإجلاء هؤلاء الأطفال، ونحن نناشد جميع أطراف النزاع للسماح لنا بالقيام بذلك في أقرب وقت ممكن". ولا تزال العديد من التحديات في انتظار النازحين الذين تمكنوا من مغادرة المدينة، خاصة بعد أن أمضوا عدة أشهر دون غذاء أو رعاية طبية، بالإضافة إلى أنهم لا يملكون شيئاً سوى بعض النقود والملابس. وعند نقطة الانطلاق الأولية في خان العسل، التي تبعد بضعة أميال عن حلب، نقلت بعض الحافلات والشاحنات الصغيرة بعض السكان المحظوظين الذين تمكنوا من ضمان مكان في إحدى هذه الحافلات والانطلاق في رحلة نحو المجهول. كما قام العديد من السكان، الذين يملكون أموالاً كافية، بركوب السيارات والحافلات أملاً في الالتحاق بأصدقائهم وأقاربهم، إلا أن العشرات من الأطفال الجياع والمصابين ظلوا في انتظار المساعدة الطبية وسط موجة كبيرة من الصراخ وتداخل الأصوات الصاخبة مع صفارات سيارات الإسعاف. "من الجحيم إلى المجهول" والجدير بالذكر هو أن هذه المنطقة ما زالت مستهدفة من قبل الحكومة السورية والقنابل الروسية، على الرغم من أن الهجمات التي استهدفتها تعتبر أقل كثافة من الغارات الجوية التي شنّتها الحكومة وحلفاؤها على شرقي حلب خلال الأشهر الأخيرة. وقال إدريس رسول، وهو صاحب متجر في حلب "لقد نقلونا من الجحيم إلى المجهول، الذي قد يكون جحيماً آخر. سوف يرسلوننا إلى إدلب ثم سيقتلوننا هناك. يمكنني الآن التنفس دون أن أشتم رائحة القنابل، إلا أن هذا الأمر لن يطول لفترة طويلة لأن النظام ومواليه سيواصلون مطاردتنا". غضب من النظام وفي الواقع، أحس السكان، الذين تمكنوا من ضمان مكان في حافلات المغادرين، بذُل كبير بسبب صور بشار الأسد الملصقة على الحافلات، حيث صرحت سيما زين أنها "أرادت تمزيق هذه الصور، لأنها أحست بإحساس فظيع بسبب عدم قدرتها على فعل شيء في الوقت الذي كانت تنظر فيه إلى صورة "المجرم"، على حد تعبيرها. كما تلاشت آمال بعض سكان حلب في العودة إلى وطنهم بعد أن دمرت منازلهم، فقد أفاد بعضهم أن بشار الأسد سيقوم بنقل مؤيديه إلى المناطق الصالحة للسكن أو تلك التي يعاد بناؤها. وفي هذا السياق، قال أبو أحمد، وهو عامل إغاثة يبلغ من العمر 35 سنة "تركت قلبي في المدينة، تركت البيت الذي ترعرعت فيه والمكان الذي قضيت فيه طفولتي وفقدت فيه والدتي. أحس بألم شديد لأنني غادرت ذلك المكان في ذل وانكسار. أملي الوحيد في هذه الحياة هو أن أعود إلى حلب في المستقبل". - هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط .