القاهرة: الخليج في الإنسان حنين دائم إلى معرفة فجر حياته على هذا الكوكب، وكيف استطاع آباؤه أن يقيموا حضاراتهم الأولى، وأن يتفاعلوا مع ظروف بيئاتهم المتغيرة، وكان الغموض ولا يزال يكتنف هذه الصفحات الأولى من سجل الحياة البشرية، بحيث لا يدع إلا بصيصاً ضئيلاً من النور ينفذ إلى أغوارها ويجلي معالمها، واستطاع الإنسان في العصور الحديثة أن يزيل الحجب عن بعض هذه الأسرار، ففك رموز الكتابات المصرية وحضارات ما بين النهرين، ونشط في البحث عن حضارات البحر المتوسط والشرق الأقصى وأمريكا الوسطى والجزر الاستوائية في المحيطين الهندي والهادي، ولا يزال يكشف في كل هذه المناطق آثاراً جديدة. هذا الكتاب وعنوانه فجر التاريخ الذي ألفه ج. ل. مايرز يمتاز بالإحاطة والشمول وإبراز الملامح الرئيسية للبيئات والأحداث التي يعرضها، ويعنى بتأثير العوامل الجغرافية والتاريخية، ويوجه عناية كبيرة إلى التطور البيولوجي للحضارات، وللمؤلف ترجيحات وآراء تستوقف النظر وتحتاج إلى الاستدراك، فالمؤلف يميز بين العرب والمصريين، ويرى أن سكان وادي النيل ينتمون أصلاً إلى الجنس البربري، وأنه من العسير أن نتبين الاختلاط بين سكان مصر والعرب، سواء في العصور الوسطى أو القديمة، ويبرز تأثير الحضارات المجاورة في الحضارة المصرية القديمة، ويميز جنسياً بين سكان الدلتا والصعيد، وأن بعض الطفرات التي حدثت في تاريخ مصر القديمة يرجع على عناصر وافدة. التاريخ كله - كما يقر المؤلف - هو سجل لأعمال البشر، وكفاح الإنسان مع الطبيعة، ومع غيره من الناس، لكن ليست كل الأعمال التي قام بها البشر تاريخاً، بالمعنى الضيق والشائع، فهناك شعوب، أو بعبارة أدق، هناك جماعات من الناس ليس لهم تاريخ بالمعنى المتقدم، ويمكن أن ندرك ماهية التاريخ وكيفية إضفاء الصفات التاريخية على أعمال الشعوب، إذا ألقينا نظرة على أمثلة مستمدة من الشعوب غير ذات التاريخ.