×
محافظة المنطقة الشرقية

عميد أسرة «الجيراني»: لم نتلق اتصالات من خاطفي القاضي مصادر لـ : جمع أول خيوط مرتكبي جريمة الاختطاف

صورة الخبر

بعد سنوات من «شرعنة» الاغتصاب، يتجه لبنان نحو إلغاء المادة 522 من قانون العقوبات التي تنصّ على أنّه «إذا عقد زواج صحيح بين مرتكب إحدى الجرائم الواردة في هذا الفصل (الاغتصاب، اغتصاب القاصر، فض بكارة مع الوعد بالزواج، الحض على الفجور، التحرّش بطفلة، الاعتداء الجنسي على شخص ذي نقص جسدي أو نفسي) وبين المعتدى عليها، أوقفت الملاحقة، وإذا كان صدر الحكم بالقضية علّق تنفيذ العقاب الذي فرض عليه». المادة لم تُلغَ بعد، لكن حصل اتفاق بين أعضاء لجنة الإدارة والعدل النيابية على ذلك، لأنّ المبدأ العام هو معاقبة المغتصِب وليس إعطاؤه أسباباً تخفيفية أو حتّى مكافأته لجريمته بزواج. وذلك سيمهّد لرفع القرار إلى الهيئة العامة لمجلس النواب في أول جلسة تشريعية حيث سيتمّ التصويت الفعلي والموافقة على إلغاء المادة، ما يُعتبر خطوة إيجابية على طريقة ضمان حقوق المرأة كمواطنة يحميها القانون. ولكن تحتاج هذه الخطوة للاستكمال عبر التوعية، خصوصاً أنّ تزويج الفتاة من مغتصِبها من العادات الشائعة في لبنان من دون أن يدرك كثيرون وجود نصوص قانونية حول هذا الموضوع. وبالعودة إلى استطلاع أجرته منظمة «أبعاد»، التي كانت ناشطة مدنياً في الحض على إقرار إلغاء هذه المادة القانونية، فواحد في المئة فقط من اللبنانيين يعلمون بوجودها في قانون العقوبات اللبناني، ما يظهر ترسّخ مفاهيم اجتماعية خطيرة بغضّ النظر عن الإجراءات القانونية. ومع كلّ هذا الزخم المدني والرسمي المرتبط بالمادة 522 تتجه الأنظار نحو النساء اللواتي سبق وذقن الكأس المرّة وتزوجن قسراً بعد تعرّضهن للاغتصاب، فأي حياة يعشن؟ وكيف تكون الحياة الزوجية حين يكون الزوج هو المغتصِب؟   عشنَ المرارة في وقت لا يزال كثيرون ينظرون إلى زواج الضحية من مغتصِبها على أنّه «ستر» لها وأنّ مثل المادة 522 تجنّب حدوث جرائم القتل وتحقن الدماء بين الأسر، تعيش النساء اللواتي تزوجن قسراً من مغتصبيهن عذاباً نفــسياً يومياً يترافق في بعـــض الحالات مع عذاب جسدي يمكن أن يؤدّي إلى الوفــاة، وإذا كان هناك من صوت يجب أن يرتفع في هذه الفترة الحــسّاسة من الناحية القانونية فلا شكّ إنّه صوتهن لأنّه الأكثر تجسيداً للمأساة الحقيقية. ولكن تماماً كما أنّ الزواج كان قسرياً، فالصمت قسري أيضاً بالنسبة لكثيرات يرفضن التحدّث عمّا يمررن به على رغم أنّ محاولات التستر كلها لا تخفي الوضع السيء الذي يعشنه. أما الأكثر قدرة على المجاهرة بما يتعرّضن له، فهنّ غالباً اللواتي هربن من منزلهن الزوجي أو حصلن على الطلاق بعد سنوات من الزواج المدمّر. بمساعدة جمعية أهلية تنشط في مساعدة النساء المعنّفات، استطعنا لقاء مريم التي تطلّقت من زوجها بعد 7 أعوام من «العقد الإجباري» كما تسمّيه. من هو زوجها؟ إنّه حارس البناية التي كانت تعيش فيها مع أهلها، وقد استغل في ليلة غيابهم عن المنزل وبقاء مريم وحدها للدراسة، ليدخل المنزل عنوة ويعنّفها ثم يغتصبها. ابنة الست عشرة سنة لم تعرف كيفية التصرّف، أخفت الموضوع لمدة شهر وهي منعزلة في غرفتها خائفة وحزينة، لكن حدث ما هو غير متوقع حيث بدأت علامات الحمل تبدو عليها. فاضطرت لإخبار والدتها بما حدث، وما أن علم والدها بالأمر حتّى تجادل مع الحارس ورفع السلاح عليه مجبراً إياه على الزواج بابنته والابتعاد بها عن الحيّ السكني وإلا سيُقدم على قتله. هذا ما حدث، تزوّجت مريم من رجل لم تعرف شيئاً عنه غير أنّه عنيف ولا يكنّ أي احترام للمرأة. سبعة أعوام قضتها في عذاب نفسي رهيب ليس فقط حزناً على مصيرها بل على العنف الذي كانت تتعرّض له أمام ابنها الصغير، وبعدها أتى دور الطفل مع بداية ذهابه إلى المدرسة حيث رفض زوجها تسجيله في أي مؤسسة تعليمية بسبب القدرات المادية المحدودة، ما أثار نزاعاً كبيراً أوصل مريم إلى هروبها من المنزل الزوجي نحو بيت أهلها. ولكن حين أقفلت الأبواب بوجهها عادت إلى زوجها مع إصرارها على إيجاد حلّ للهروب مجدداً، وقد ساعدتها جارتها بعد فترة في التعرّف إلى جمعية أهلية أمّنت لمريم المأوى الآمن إلى حين إتمام معاملات الطلاق مع توكيل محامٍ لها ساعدها في حلّ المشكلات القانونية. واليوم تحاول مريم أن تلملم شتات حياتها مع طفل له حاجاته ويفتقد الأمان، والسبب أنّه طفل ضحية أيضاً لرجل لا يعرف معنى الأبوّة.   كسر الطوق قصّة مريم تتشابه مع قصص عدة حصلنا عليها عبر الجمعية، وترسم المستشارة النفسية والاجتماعية نادرة باسيل صورة واضحة لما تتعرّض له النساء حين يتزوجن من مغتصبيهن. فمنذ البداية هناك عنف شديد يتمثّل بالاغتصاب، ومن يقوم بهذا الجرم يصعب أن يتغيّر من دون متابعة نفسية مع اختصاصي. وبالتالي تكون النتيجة أنّ حالة العنف تستمر بعد الزواج القسري، والاغتصاب الجسدي والنفسي يصبح جزءاً من يوميات المرأة الضحية والتي لا تجد أبداً من يساندها. فأهلها يصبحون ألدّ أعدائها منذ اللحظة التي يعرفون بها بوقوع الاغتصاب، وهنا لبّ المشكلة، كما أنّ أهل الزوج لا يتقبّلون غالباً هذه الفتاة التي دخلت إلى حياتهم ويمكن أن يتهموها بأنّها جرّت ابنهم نحو العلاقة الجسدية. «كثيرات من اللواتي تزوّجن قسراً من مغتصبيهن لا يرفعن الصوت» كما تقول باسيل، لكن حالياً ومع الزخم المدني والعمل المؤسساتي على المواضيع المرتبطة بالاغتصاب والعنف الأسري، هناك اتجاه لافت لكسر الطوق الموضوع على رقابهن وإيصال قضيتهن إلى الجمعيات والإعلام. وهناك منظمات باتت تؤمّن المسكن الآمن لهذه الفئة من النساء، ما يعتبر خطوة مهمّة جداً لحمايتهن. لكن التغيير الحقيقي وفق باسيل يكون بتغيير الصورة النمطية للمرأة التي تعرّضت للاغتــصاب، وبأنّ لها دوراً في دفع الرجل لذلك لأنّ ذلــك خــــطير جداً وتخـــفيف من الجريمة. فهي ضحية حقيقية تحتاج إلى الحماية القانونية والاجتماعية مع طفلها في حال كانت حاملاً، وإلا رُسمت طريق سوداوية أمامها تحت ستار الزواج.