في السابق قبل أكثر من 10 سنوات كنا نستمتع بخبر وزارة التعليم العالي سابقاً «وزارة التعليم حالياً» عن أرقام قبول خريجي الثانوية العامة في الجامعات ووصول أعداد المقبولين إلى ما يقارب الـ95% من خريجي الثانوية العامة، وكنا نعتقد أن هذا إنجاز كبير، فالحياة الرغيدة لدى مجتمعاتنا الخليجية مرتبطة بالشهادة الجامعية ولا سواها، رغم أن أغلب المجتمعات المتقدمة لا تقبل من خريجي الثانوية أكثر من 60%، ويتجه الباقون إلى المهن الحرفية والفنية، وربما اتجهوا من خلال الدراسة الثانوية لتلك التخصصات، وكانت تنادي أصوات في تلك الفترة بأن هذا الوضع غير صحي فالمفترض تقنين القبول الجامعي بمعنى أن يتم قبول نسبة لا تتجاوز الـ 60% أو 50% من خريجي الثانوية في الجامعات ليذهب الآخرون إلى المهن المختلفة التي نحتاجها في سوق العمل بكثرة، ولكن لم تجد هذه الأصوات آذاناً مصغية وربما استهزأ بهم الكثير لغرابة طرحهم في تلك الفترة. حالياً ومع تغير الوضع الاقتصادي الذي يلف العالم لأسباب عدة ومنها الذي يعنينا بشكل خاص نزول أسعار النفط بدأت النظرة تتغير نحو التعليم الجامعي الذي لا يؤكل عيشاً ولا يتخرج الطالب من أغلب تخصصاته بمهنة يستفيد منها في سوق العمل المحلي وربما يجد صاحب الحرفة عملاً سريعاً أكثر منه. من هنا بدأت أصوات مرة أخرى تتحدث عن ضرورة تقليص القبول في الجامعات وبالذات في التخصصات النظرية وتحويل الطلبة إلى تخصصات مهنية وحرفية «دبلوم» يحتاج اليها المجتمع لأننا في حاجة ماسة لتوطين هذه الحرف الكثيرة مثل الكهرباء والسباكة والنجارة والميكانيكا وغيرها، وهذا ما ذكره أحد مسؤولي وزارة العمل مؤخراً في أحد المنتديات الرسمية، وأنا أضم صوتي لصوته في هذا الموضوع المهم ولكن المشكلة في أن البنية التحتية لتأهيل الطالب أو المتدرب على هذه النوعية من الأعمال غير موجودة لدينا، كما أن تعليم الطالب هذه الحرف يبدأ من مرحلة علمية لا تتجاوز المرحلة الثانوية بمعنى لو أردنا تعليم طالب مهنة السباكة لا بد أن أبدأ معه من الثانوية ليتخرج بعد ثلاث سنوات مؤهلاً تماماً لكن عندما يدرس الثانوية العامة ومن ثم أبدأ تدريسه إحدى الحرف ربما لا يقبل العمل بها في الميدان لأنه يرى نفسه في درجة علمية أعلى من كونه مجرد حرفي، ولذلك فالأنسب تأهيل ثانويات متخصصة في تعليم الحرف المختلفة سواء من خلال افتتاح أقسام في الثانويات العامة تضاف لتخصصي العلمي والأدبي بحيث يصبح تخصص ثالث «فني» أو من خلال إعطاء تصاريح للقطاع الخاص بافتتاح معاهد معتمدة تعطي دروساً في هذه الحرف ليتخرج الطالب فنياً يزاول عمله بعد إنهاء فترة التدريب. هذا ما نحتاج اليه حالياً إذا أردنا توطين هذه المهن لابد من دراستها في مرحلة سنية صغيرة ليستطيع الطالب التكيف معها وألا تتجاوز المرحلة الثانوية حتى لا يستعيب العمل فيها، ولدينا شواهد على ذلك من خريجي كليات التقنية الذين لا يزاولون العمل في الميدان لأنهم يرون أنفسهم في درجة علمية أعلى من الحرف المهنية الميدانية. حتى نستطيع النجاح في هذه التجربة يجب تكاتف وزارة العمل ووزارة التعليم وليست الجامعات كما في السابق وتأهيل المجتمع من خلال الإعلام ليتقبل العمل في هذه الحرف التي ما زلنا ننظر إليها نظرة دونية.