... اليوم، اليوم، أو غداً. هذا كان لسان حال بيروت، امس، التي «حبستْ أنفاسها» لساعاتٍ بانتظار بدء اللقاء الذي حصل قرابة الرابعة من بعد الظهر بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري علّه يحمل معه تصاعُد «الدخان الأبيض» فتولد أولى حكومات العهد الرئاسي 13 في تاريخ لبنان والتي تحمل رقم 74 منذ الاستقلال. وحملت الفترة الفاصلة عن لقاء عون - الحريري «صعوداً وهبوطاً» في «بورصة الولادة» راوحتْ بين جزم معلوماتٍ بأنها ستبصر النور أمس وبين انها قد تحتاج الى مزيدٍ من «الروْتشات» تستدعي استئخارها الى اليوم. علماً ان «الترنّح» طاول في الوقت نفسه شكلها وسط تأكيدات بأن الحريري يفترض ان يحمل معه الى القصر الجمهوري حكومة كاملة بالحقائب والأسماء من 24 وزيراً، مقابل ذكر مصادر عدة ان ربع الساعة الاخير قد يوسّعها الى 30 وزيراً بما يسمح بتمثيل كل من حزب الكتائب والحزب السوري القومي الاجتماعي والنائب طلال ارسلان ويحلّ مشكلة توزير رئيس الجمهورية وزيراً شيعياً من حصّته. ومنذ ساعات الصباح الأولى، وغداة احتواء «الخضّة» التي أحدثتها ملابسات إخراج «إهداء» رئيس البرلمان نبيه بري حقيبة الأشغال لتيار «المردة» بزعامة النائب سليمان فرنجية الذي استبق ذلك بموقف نافر من رئاسة الجمهورية تعمّد إطلاقه من مقرّ البطريركية المارونية، بدت الطريق أقرب ما يكون الى بلوغ لحظة إصدار مراسيم تشكيل الحكومة، بعدما رستْ عملية تدوير الحقائب على تعويض حزب «القوات اللبنانية» بحقيبة الصحة عوض الأشغال (مع نيابة رئاسة الحكومة وحقيبتيْ الإعلام والشؤون الاجتماعية والسياحة لقريب منها هو ميشال فرعون) التي كانت عُهدت اليها نتيجة تنازلها عن حقيبة سيادية، في حين لم يمانع بري ان يتمثّل بإحدى حقيبتيْ الزراعة او العمل (عوض الأشغال). الا انه مع تقدُّم النهار، بدأت معطيات تشير الى احتمال الا تخرج التشكيلة الحكومية الى العلن يوم امس، وسط تركُّز الاتصالات على مسألتيْن: الاولى كيفية تمثيل حزب الكتائب ضمن حكومة من 24 وزيراً، والثانية دفْع فريق 8 آذار الى توسيع الحكومة الى 30 وزيراً تحت شعار ضمان أوسع مشاركة وتمثيل مكوّنات من 8 آذار لا تتسع لها حكومة الـ 24. ورغم تحبيذ الرئيس الحريري حكومة من 24 وفي الوقت نفسه عدم قفله الباب أمام حكومة من 30 وزيراً بحال ارتأى السير بها رئيس الجمهورية، فإن مصادر سياسية لاحظت ان «نفْخ» الحكومة يحمل في طياته بعض «الألغام» التي تحتاج الى مداراة وبينها تفادي حصول فريق 8 آذار على ثلث معطّل صريح (اي بمعزل عن وزراء «التيار الوطني الحر» وحصة رئيس الجمهورية)، الى جانب الحاجة الى «إعادة ترسيم بعض الأحجام»، ناهيك عن بُعد لم يغب عن الحسابات المتصلة بالتشكيل ويتمثّل في حرص الرئيسين الحريري وعون ومن خلفهما «القوات اللبنانية» على «محو» المنحى الذي اتّخذه مسار التأليف بظهور بري وفرنجية مقرِّريْن في هذا الملف وتكريس رئيس البرلمان صاحب «الحل والربط»، وصولاً الى تكراره امس استغرابه تأخُّر صدور مراسيم الحكومة بعدما ذُللت العقبات بـ «حركته» تجاه زعيم «المردة» وفيما أشارتْ معلومات الى ان الاسم الذي سيتولى حقيبة الدفاع السيادية (من حصة رئيس الجمهورية) كان ما زال حتى قبيل انتقال الحريري الى قصر بعبدا محط أخذ وردّ وسط تقارير لمحت الى تحفظاتٍ على ان يتولاها الوزير السابق يعقوب الصراف، ذكرت أوساط متابعة لملف التأليف ان النائب وليد جنبلاط يحبذ استبدال حقيبة العدل التي وُضعت من ضمن حصته بالتربية (هي من حصة التيار الحر)، وهو كان أعطى عبر «تويتر» - قبيل زيارة وفد يمثله للرئيس الحريري - إشارة بهذا المعنى اذ كتب ان «افضل طريقة لاصطياد الوزارة العودة الى الصيغة القديمة مع حصة وازنة للمردة والقوات»، مضيفاً: «لكن مع التذكير بأن اللقاء الديموقراطي ليس حبة سردين ولا حوتاً كالبعض». وتابع: «كفانا لفا ودورانا حول العدد، وفق حسابات المنطاد ففي دائرة الثلاثين تستكمل الحلقة، حلقة الممانعة والممانعة المضادة. والعدلية تتطلب زنوداً خاصة تراعي مثلاً المواصلات غير الشرعية والتهريب الموضوعي. لذا لا نرغب بالمسّ بالأمن القومي الخاص ولا الاقتصاد الموازي، القناعة كنز لا يفنى». وفي حين حرص الحريري على إصدار بيان نفى فيه ما ذُكر في الإعلام عن انه عقد اجتماعاً في دارته ضم الوزير جبران باسيل (صهر عون) والقيادي في «حزب الله» السيد وفيق صفا للبحث في التشكيلة الحكومية، وهو البيان الذي اعتُبر في سياق تبديد اي انطباعٍ بأن مسار التأليف يسلك طرقاً غير مألوفة دستورياً، رسا «الرسم التشبيهي» لتوزيع الحقائب (عددها 24 واي توسيع للحكومة الى 30 يضيف اليها وزراء دولة) على الآتي: * حصة رئيس الجمهورية: 3 وزراء بينهم مسيحيان وسنّي. * حصة «التيار الوطني الحر»: الخارجية (جبران باسيل)، الطاقة (سيزار ابي خليل) والتربية (رومل صابر). * حصة «تيار المستقبل»: الحريري رئيساً للحكومة، الداخلية (نهاد المشنوق)، الاتصالات (جمال الجراح)، العمل (محمد كبارة)، الى جانب توزير غطاس خوري (لم تُحسم الحقيبة) ووزير أرمني أو من الأقليات. * حصة حركة «أمل» (بري): وزارتا المال (علي حسن خليل) والزراعة (غازي زعيتر). * حصة: «حزب الله»: الشباب والرياضة (محمد فنيش) والصناعة (حسين الحاج حسن). * حصة «القوات اللبنانية»: الصحة (غسان الحاصباني) الاعلام (ملحم رياشي) والشؤون الاجتماعية (بيار ابي عاصي او اسم آخر)، الى جانب منصب نائب رئيس الحكومة وميشال فرعون وزيراً للسياحة (قريب منها). * حصة النائب وليد جنبلاط: العدل (مروان حمادة) والبيئة (أيمن شقير). * حصة «تيار المردة»: الأشغال (يوسف فنيانوس). * وزير من حزب «الطاشناق» الأرمني (لم تُحسم حقيبته). وجاء الحِراك المكوكي في الملف الحكومي على وقع مواصلة مساعدة وزير الخارجية الاميركي لشؤون الشرق الأوسط آن باترسون لقاءاتها في بيروت، غداة اجتماعها بكل من الرئيسين عون والحريري وقائد الجيش العماد جان قهوجي، حيث أكدت دعم بلادها للبنان سياسياً وأمنياً ومالياً لتمكينه من مواجهة الاستحقاقات المرتقبة. وأشارت تقارير في بيروت الى ان باترسون أبلغت مَن التقتهم أنها كانت في الدوحة قبل وصولها إلى بيروت، وانها تحدثت مع المسؤولين القطريين لمساعدة لبنان في المرحلة المقبلة، كما ان وزير الخارجية جون كيري سيتحدث بدوره مع المسؤولين السعويين في هذا الإطار، موضحة ان «تغيير الإدارة الأميركية من الديموقراطيين إلى الجمهوريين لن يغير من الثوابت الأميركية تجاه لبنان».