لم يدخل اتفاق وقف النار حيز التنفيذ في شرق حلب إلا لليلة واحدة حيث تنعم الحلبيون في العاصمة الصناعية لسورية بهدوء غير مسبوق إلى حين طلوع الصباح تحت زخات المطر وسوء الطقس لينكشف الوضع على تعقيدات كثيرة لم تكن في الحسبان ولم يتضمنها الاتفاق الذي توصل إليه الطرفان التركي والروسي. وأفاد مصدر مسؤول في سورية لـ «الراي» أن الاتفاق الذي أبرمته روسيا مع تركيا شمل خروج ألف مسلح و 4 آلاف مدني مع عائلاتهم. وقد تم الاتفاق أن يبقى من لم يخرج من المدنيين في منازلهم في المنطقة التي بقيت تحت سيطرة الجهاديين والمسلحين. وعند طلب الجيش السوري أسماء كل من سيخرج من المدينة المحاصرة (ضمن كيلومتر مربع واحد) كشفت المفاوضات أسماء الآلاف من المسلحين مع عائلاتهم ليقارب العدد نحو الخمسة عشر ألفاً بين مقاتل وعائلاتهم ما أوقف العملية برمتها، ليصار إلى استئناف المفاوضات على قاعدة مختلفة تقضي بألا يخرج أي مسلح مع عائلته إلا بتسليم الجثث والمعتقلين الموجودين، ليس فقط داخل شرق حلب، بل أيضاً ليشمل الاتفاق جثث مقاتلين وأسرى لدى تنظيم القاعدة (فتح الشام) ولدى التنظيمات المسلحة الاخرى وايضاً خروج مدنيين من داخل مدينتي الفوعة وكفريا المحاصرتين في شمال سورية بالعدد نفسه للذين سيخرجون من شرق حلب. إذاً، احتمال مواصلة المفاوضات «بالنار»- أي تحت القصف المدفعي - ستستمر طيلة الأيام المقبلة، ما يدل ان احتمال فشل المفاوضات ممكن أو احتمال تأجيلها لوقت آخر هو أمر مؤكد لأن عملية شرق حلب أصبحت عملية واسعة تشمل المتقاتلين من كل الأطراف والمناطق السورية المتفرقة. ولا يزال هناك قرى محاصرة من الجيش السوري مثل مضايا والزبداني وكذلك لدى الجهاديين والمعارضة مثل الفوعة وكفريا حيث توجد في هذه المدن عشرات الآلاف من المدنيين والمسلحين المحاصرين منذ سنوات الحرب الطويلة. وينوء هؤلاء تحت قصف مدفعي وحصار يتعلق بسير المعارك بين الاطراف المتقاتلة لتصبح هذه المدن مكسر عصا تنهار عليها القذائف في شكل متبادل. فعندما تقصف مدينة من هنا تقصف أخرى من هناك ليدفع – كالعادة – المدنيين ثمن استمرار المتحاربين بالقتال والاثمان الذي يطلبها هؤلاء لخدمة أهدافهم. وكانت الأمم المتحدة أعلنت وجود نحو 270 ألف مدني داخل شرق حلب ونحو عشرة آلاف مقاتل موزعين بين ألف لـ «القاعدة» وتسعة آلاف للمعارضة المسلحة، كما اعلن ستيفان دي ميستورا المبعوث الدولي لسورية. وأعلنت روسيا «أن حوالي 100 ألف مدني خرج من المدينة منذ بدء العمليات العسكرية وكذلك سلّم نحو 3200 مقاتل أسلحتهم وخرجوا من شرق حلب ليبقى عدد غير محدد من المدنيين والمقاتلين داخل المدينة. ولن تعرف الارقام الحقيقية إلا حين انتهاء العملية بخروج المسلحين أو بدخول الجيش السوري الى المدينة». ومهما كانت النتائج، فان مأساة سورية لم تنته حتى ولو انتهى وضع شرق حلب، فالدمار الذي أصاب حلب وغير حلب لا يوصف، واثار الحرب على الاطفال والمدنيين البالغين لن يكون من السهل التعامل معه لسنوات طويلة حتى ولو انتهت الحرب قريباً.