بدأ مبكرا الحديث عن إعادة إعمار حلب، بعد سيطرة الجيش السوري على كامل المدينة، التي دفعت فاتورة بالدم والأعصاب، تفوق أرقام حجم الدمار، وتدمير البنية التحتية، جراء المعارك التي شهدتها حلب طيلة الأعوام الأربعة، إضافة إلى الدمار الذي لحق بالمعالم الأثرية فيها. ثلاثة أسابيع تقريبا كانت كافية لتنهي الوجود المسلح من كامل المدينة، تشكيلات المسلحين بمختلف راياتهم وتبعياتهم سيخرجون تدريجيا بسلاحهم الخفيف نحو ريفي حلب الغربي والشمالي، بعدما حُشروا في زاوية صغيرة لا تتجاوز مساحتها الأربعة كيلومترات مربعة. وأوضح المحلل السياسي اللبناني، علاء حلبي، أن عملية إخراج المسلحين التي اتفق عليها تتضمن 3 خطوات، الأولى إجلاء الجرحى، والثانية إخراج المسلحين إلى وجهتين ضمن خطوتين متلاحقتين، نحو منطقة الراشدين، ليتوزع المسلحون بعدها إلى ريفي حلب الغربي والشمالي. بينما كشف مصدر مطلع على الملف التفاوضي، لصحيفة السفير اللبنانية، أن موسكو أصرّت خلال الساعات الماضية على أن يسلم المسلحون أنفسهم أو يُقتلوا، بعدما رفضوا طيلة الأشهر الثلاثة الماضية الاستسلام، إلا أن ضغوطاً غربية رفيعة المستوى ساهمت بالسماح للمسلحين بالخروج، وأن معظم الدول التي شاركت في المباحثات كانت تطالب بشكل مباشر بإخراج أعضاء منظمة «القبعات البيضاء»، وعددهم 15 شخصاً ناشطاً في حلب، «لاعتبارات إنسانية»، لتنتهي المفاوضات في النهاية بموافقة كل من دمشق وموسكو على فتح ممر آمن لمن يود الخروج، وأن «كل المتشددين ومعهم أفراد أسرهم والمصابين يخرجون حاليا من ممرات متفق عليها إلى وجهات اختاروها بأنفسهم طواعية». وتستعد عاصمة الشمال لتسوية أخيرة، وبدأت تنفض عنها غبار المآسي لتبدأ رحلة النهوض من جديد، وبدأت الجهات الحكومية السورية، ترتيبات عمليات مسح لتسجيل حالات الزواج التي تمت في ظل وجود المسلحين، وأيضاً لتسجيل الولادات التي تمت في الفترة ذاتها، وتبحث كيفية التعامل مع عقبات عديدة تتعلق بملكية المحلات والمنازل، خصوصاً بعد إحراق وتدمير المسلحين لكمّ هائل من الوثائق ذات الصلة. التسوية الأخيرة في حلب، فتحت ملف أخطاء المعارضة السورية المعتدلة والمسلحة وأبرزها، تشرذم فصائل المعارضة، حتى أصبح كل عشرة أشخاص، قادرين على تأسيس فصيل يتوهم أنه يرسم مستقبل البلاد، ونسب إلى مسؤول خليجي، حين استقبل وفدا من المعارضة السورية في أواخر عام 2012، ثم اجتمع مع أعضائه كلاً على حدة، «ان كلا منهم يريد أن يكون زعيما، وأنهم يكرهون بعضهم البعض، والله بعد أن التقيتهم تمنيت أن يعود حافظ الأسد الى الحكم وليس فقط بشار، وأن تشتت المعارضة وتنافسها، سهُل اختراقها إقليميا ودوليا. والخطأ الثاني الذي ارتكبته المعارضة، كما يقول المحلل السياسي سامي كليب، هو تعمّدها الخروج من جلدها القومي العربي المقاوم لإسرائيل، ففقدت فرصتها الذهبية لتشكيل نموذج طليعي للمعارضات في الشرق الأوسط، ولم تجد بعد ذلك ذريعة سوى تصويب السهام ضد إيران و«حزب الله» والشيعة، والخطأ الثالث، تمثّل في الاعتماد على دول اقليمية ليست الديموقراطية في سلّم أولوياتها، وعلى دول غربية ما أخذت يوما بعين الاعتبار هموم شعوبنا العربية. والخطأ الرابع الذي ارتكبته المعارضة السورية يكمن في أنها قبلت بانحسار وجوهها اليسارية والعلمانية والليبرالية خلف تيار الإخوان المسلمين المدعوم ماليا وعسكريا وسياسيا من قطر وتركيا والأطلسي، أما الخطأ الخامس، بحسب تحليل سامي كليب، فهو ما نشهد نتيجته في حلب، فهي حين اعتقدت أنها بالسلاح تستطيع إسقاط النظام، سمحت بانتصار الأقوى وسلّمت قرارها لمن يعطيها السلاح. يذكر أنه في نهاية العام الماضي، عدّد الرئيس السابق للمجلس الوطني السوري المعارض، برهان غليون، أخطاء المعارضة، بأنها لم تتمكّن من توحيد المواقف، ولم تتفاعل مع القوى الميدانية، ولم تستطع طمأنة السوريين من سائر المكوّنات، وفي ظل تشتتها وتباين مرجعياتها تبدو المعادلة السورية مستحيلة الحل وهناك لامبالاة أميركية كبيرة مرتبطة بالمعادلات الإقليمية والدولية. ربما دخلت سوريا فعلا في المرحلة الأولى لنهاية الحرب بعد حلب. شارك هذا الموضوع: اضغط للمشاركة على تويتر (فتح في نافذة جديدة)انقر للمشاركة على فيسبوك (فتح في نافذة جديدة)اضغط للمشاركة على Google+ (فتح في نافذة جديدة)