النسخة: الورقية - دولي يظهر التعمق في المسار الاقتصادي وأسواق العمل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (منطقة «مينا» في ما بعد)، أن الإستراتيجيات الاقتصادية التي نفذتها دول المنطقة والتي امتُدحت لتحقيقها معدلات نمو اقتصادي مرتفع من قبل المؤسسات الوطنية وبعض المؤسسات الدولية، فشلت في خلق فرص عمل كافية لتشغيل الراغبين والقادرين على ذلك، خصوصاً بالنسبة الى فرص العمل الراقية. يضاف الى ذلك ان أنماط النمو لم يكن لها أي اثر على الفقر وعلى العمل غير الرسمي. وكذلك لم تحدث الإستراتيجيات التي أتبعت إلا بعض التغير الهيكلي في اقتصادات منطقة «مينا» ولم تخلق قدرات محلية قادرة على ولوج التكامل مع الاقتصاد العالمي. لقد تبين ان أسواق العمل في منطقة «مينا» خلال العقدين الأخيرين تشير الى فجوة متنامية بين آمال الشباب الأكثر تعليماً وقدراتهم، والفرص المتاحة للحصول على عمل راقٍ. فنمو الناتج المحلي الإجمالي والإصلاحات الاقتصادية التي تبناها بعض الدول العربية في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي بهدف تحسين مستوى معيشة السكان، لم تسد الفجوة بين الآمال والتطلعات والواقع المعاش. وما زالت معدلات البطالة في منطقة مينا من بين الأعلى في العالم: ففي دول شمال إفريقيا ضمن منطقة «مينا»، انخفض معدل البطالة من 14.1 في المئة عام 2000 إلى 9.6 في المئة عام 2008، وعاد فارتفع إلى 9.8 عام 2010. وفي بلدان الشرق الأوسط المنتمية الى التكتل، بلغ معدل البطالة 10.3 في المئة عام 2010. والأهم هو البطالة بين الشباب المتعلم. فما العمل؟ هذا هو التحدي الحقيقي أمام الحكومات وأمام المجتمع، خصوصاً القطاع الخاص الذي لا بد أن يواجه هذا التحدي حفاظاً على مصالحه من خلال العمل على خلق فرص من نوعية عالية. يتفق المهتمون بالشأن الانمائي على أهمية دور القطاع الخاص في خلق فرص عمل ونمو اقتصادي قوي، ولكنهم غير متفقين على كيفية دعم القطاع الخاص ليقوم بالدور المنوط به. ولتسليط الضوء على كيفية تسهيل خلق فرص عمل ونمو قوي من قبل القطاع الخاص في منطقة «مينا»، ننظر في بعض المؤشرات ذات العلاقة ببيئة الاعمال في منطقة مينا ونلاحظ الآتي: - الاستثمار الخاص في منطقة «مينا» ضعيف نسبياً وفق صندوق النقد الدولي، حيث بلغ في المتوسط نحو 15 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي خلال العقود الثلاثة الماضية مقارنة بنحو 20 في المئة في جنوب آسيا و30 في المئة في شرقها. مع العلم ان ادخار القطاع الخاص في المنطقة المذكورة زاد على الاستثمار الخاص بنحو 960 بليون دولار خلال الفترة 2002 -2012. وخلال الفترة ذاتها زادت الإيرادات الحكومية على النفقات بنحو 1.34 ترليون دولار. وتظهر هذه الأرقام أن توافر المال ليس سبباً في ضعف الإستثمار الخاص، لذلك وجب البحث في مجالات آخرى أهمها تنظيم ممارسة الأعمال. - يبدو ان الأنظمة ما زالت معقدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومثبطة للمستثمرين المحليين والأجانب، وبالتالي لا تشجع على خلق فرص عمل ونمو اقتصادي قوي. ومثل هذا التعقيد يبرز في بعض مفردات مؤشر ممارسة الأعمال الذي يصدره البنك الدولي. فمثلاً يحتاج رجل الأعمال إلى 74 يوماً لبدء عمل في العراق، و75 يوماً لتسجيل عقار في المغرب، و159 يوماً للحصول على الكهرباء في الجزائر، و218 يوماً للحصول على تصريح بناء في مصر. في المقابل تتطلب هذه الإجراءات في كوريا الجنوبية 7 و11 و28 و29 يوماً على التوالي. يضاف الى ذلك عامل آخر يعيق الاستثمار في منطقة «مينا» هو انخفاض الإئتمان المقدم للقطاع الخاص. اذ أظهر مسح للمشاريع يجريه البنك الدولي، ان 10 في المئة فقط من الشركات في المنطقة تمول استثماراتها من المصارف. إضافة الى ان اقتصاد منطقة «مينا» يتقلب في شكل كبير، علماً أن البيئة الاقتصادية المستقرة والنظام المالي القوي ضروريان لنمو القطاع الخاص. - بيئة مواتية وصديقة للأعمال: على الحكومات ان تصحح السياسات والإجراءات بحيث تصبح عملية بدء نشاط الأعمال وإدارتها اسهل. وإذا تم ذلك فسوف يؤدي إلى انعاش روح المبادرة والريادة، والتي تشمل المشاريع الصغيرة والمتوسطة. وتشمل اجندة تحسين بيئة الأعمال أموراً أهمها: - معاملة الشركات ببساطة، وشفافية وانصاف. - مؤسسات عامة اكثر شفافية ومساءلة. - اتاحة الخدمات الحكومية بالتساوي، وبناء المهارات وحوافز للتشغيل. - وصول أفضل للتمويل لمساعدة الريادة والاستثمار الخاص. - بنية تحتية أفضل. إضافة الى ما سبق، فإن وضوح القوانين وتنفيذها مهمان جداً لبيئة الأعمال المشجعة للاستثمار وخلق فرص عمل، وبالتالي للنمو الاقتصادي. لا شك في أن السياسات الاقتصادية الكلية الحسنة مهمة جداً لخلق بيئة مواتية تساهم في انعاش القطاع الخاص وتجعله يعمل بثقة. فالتضخم الأقل والتذبذب المتدني في النمو الاقتصادي، يخلقان بيئة مشجعة على ممارسة الأعمال، تساعد القطاع الخاص في الاستثمار وخلق فرص عمل.