بترشيحه ريكس تيلرسون وزيراً للخارجية، يشعل دونالد ترامب معركة في الكونجرس بشأن القضيتين اللتين ستلقيان بظلالهما على الفصول الافتتاحية لرئاسته، وهما: روسيا، وتضارب المصالح. يجسد تيلرسون كلا المأزقين. حيث ازداد مدير إكسون موبيل قرباً من فلاديمير بوتين ودائرته عن طريق سلسلة من الصفقات النفطية. وسيمثل مصير تلك الصفقات مصلحة خاصة له حين يتفاوض مع موسكو بصفته وزيراً للخارجية. فرفع العقوبات سيرفع القيود على العمليات التي تخطط لها إكسون موبيل في روسيا، التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، كما سيزيد مكافأة التقاعد لتيلرسون. ستكون جلسات الاستماع التي يخضع لها في مجلس الشيوخ صراعاً مريراً وانفعالياً. فبالنسبة لمنتقدي فيلق ترامب، تمثل العلاقات المبهمة مع روسيا والتضاربات الصارخة في المصالح الخاصة به تهديداً وجودياً لديمقراطية الولايات المتحدة. يعطي ترامب إشارة الموافقة إلى تيلرسون، الحائز على وسام الصداقة من موسكو، بينما تجري مذبحة في حلب، التي من المرجح أن تصبح واحدة من أسوأ جرائم الحرب في القرن حتى الآن، والتي تعد روسيا متواطئة فيها. علاوة على ذلك، ستُعقد جلسات الاستماع بالتزامن مع التحقيق الذي يجريه الكونغرس حول الدور الذي لعبته المخابرات الروسية في التأثير على انتخابات الرئاسة الأميركية وترجيح كفة ترامب. وهو ما سيضع شرعية ترامب الرئاسية على المحك في تلك الجلسات، بالنسبة لغالبية الناخبين في الولايات المتحدة والكثير من دول العالم. لمن سيترك ترامب أعماله؟ في نفس وقت إعلان ترامب -عبر تغريدة مميزة- عن تسمية وزير الخارجية يوم الثلاثاء في الأغلب، كشف أيضاً في معرض حديثه عن كيفية تعامله مع التضارب العميق للمصالح الخاصة به، إذ سيقوم بـ"ترك" أعماله وإسناد إدارتها إلى ابنيه البكرين، دونالد جونيور وإريك، بالإضافة إلى عرض عدم قيام المؤسسة بـ"أي صفقات جديدة" خلال الفترة التي سوف يقضيها في منصبه. وجاءت هذه المنشورات القصيرة على تويتر حول مستقبل أعماله، عوضاً عن المؤتمر الصحفي الذي كان قد وعد به، الذي كان من المقرر له الانعقاد يوم الخميس، ولكنه أُلغي باقتضاب حينها. قبل منتصف ليل الإثنين، غرَّد ترامب بأنه سيواجه أسئلة الصحافة "في المستقبل القريب لمناقشة الأعمال، واختيارات مجلس الوزراء، وجميع الموضوعات المهمة الأخرى". بقي الموعد غامضاً. وقالت المتحدثة باسمه إنه سيؤجل حتى الشهر المقبل. كما أن المقصود بـ"ترك" مؤسسة ترامب بقي غامضاً كذلك، هل هو تنحيه عن الإدارة أم التنازل عن حصة ملكيته، أو هل سيقلل بيع حصته من تضارب مصالحه الخاصة كرئيس للجمهورية، وما إذا كانت القرارات التي يتخذها في المكتب البيضاوي يمكن أن تثري أبناءه. ومن المشكوك فيه أيضا ما إذا كانت إمبراطورية مترامية الأطراف مثل مؤسسة ترامب، مع وجودها في نحو 20 بلداً، يمكن أن تعمل دون أن تعقد "صفقات جديدة". إذ إن إبرام اتفاقيات مع الحكومات والشركاء هو ما تقوم به في عملياتها اليومية. يسمح القانون الأميركي للرئيس أن يكون هناك تضارب في المصالح. ومع ذلك، فإذا تلقت الشركات التي يمتلك بها أسهماً أموالاً من الحكومات الأجنبية، أو من الشركات المملوكة لدول أجنبية، فقد يتعرض لخطر انتهاك "بند المكافآت" من الدستور. من جانبه، قد يبيع تيلرسون أسهم إكسون موبيل في صندوق تقاعده، ولكن يبقى السؤال عما إذا كان هذا التنازل سيجرده من ولائه للشركة التي استخدمته لأكثر من أربعة عقود، والتي تعمل تقريبا كأنها دولة بذاتها، وتفوق اقتصادات معظم الدول على هذا الكوكب. تحدي الديمقراطيين تمثل قرارات ترامب في اختيار تيلرسون، والحفاظ على إمبراطوريته التجارية ضمن نطاق أسرته تحدياً للتقليديين من الحزب الجمهوري. سيجعل قدامى أعضاء مجلس الشيوخ جون ماكين وليندسي غراهام من جلسة الاستماع لتيلرسون، والتحقيق حول تدخل الروس في الانتخابات، اختبارات شديدة الضغط بالنسبة للرئيس الجديد. قد يحتاج الأمر لثورة سيناتور جمهوري واحد فقط لسلب ترامب من أغلبيته. ربما يكون اختيار الرئيس المنتخب لتيلرسون قد شجعه دعم كبار رجال إدارات الحزب الجمهوري السابقة، بما في ذلك جيمس بيكر، وكوندوليزا رايس وروبرت غيتس. قد يهدئ تشجيعهم هذا الجمهوريين الغاضبين، إلا أن لديهم أيضاً قضايا تضارب المصالح الخاصة بهم. إذ تمثل شركة المحاماة الخاصة ببيكر كلا من إكسون موبيل وشركات النفط والغاز الروسية المملوكة للدولة. كما أن رايس وغيتس شريكان في شركة الاستشارات الدولية التي أفادت تقارير بأن شركة إكسون موبيل هي من استأجرتها. اصطف قادة الحزب، الذين احتقروا ترامب ذات مرة، واحداً تلو الآخر من ورائه عندما اكتسبت حملته زخمها غير المتوقع. يراهن الرئيس المنتخب على أن الجمهوريين سوف يصطفون مرة أخرى، خوفاً من ضياع الفرصة لإدارة أفرع الحكومة الثلاثة. إنها مغامرة عالية المخاطر. حجم صراعات الأعمال في الإدارة الجديدة والتأثير الصارخ لموسكو على السياسة الأميركية يجعلها مساحة مجهولة لجميع المشاركين. - هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط .