يوشك الجيش السوري الثلاثاء على السيطرة على كامل مدينة حلب، في وقت عبرت الأمم المتحدة عن قلقها ازاء تقارير عن «فظائع» محتملة ارتكبت في حق مدنيين فروا إلى مناطق النظام السوري، وبينهم نساء وأطفال. واعتبرت دمشق أن المعركة وصلت إلى «خواتيمها» بعد السيطرة على أكثر من تسعين في المئة من الأحياء الشرقية، وقال مصدر عسكري رفيع المستوى ليل الأثنين لوكالة فرانس برس «لحظات تفصلنا عن الانتصار». وتجمع سكان في القسم الغربي في المدينة في الشوارع ليلاً على رغم المطر، مرددين هتافات داعمة للرئيس السوري بشار الأسد والجيش، كما سُمِعت أصوات عيارات نارية تطلق في الهواء ابتهاجاً. لكن التقدم السريع والمتواصل لقوات النظام يثير مخاوف الأمم المتحدة وناشطين، لا سيما بالنسبة إلى مصير المدنيين المكدسين في ما تبقى من شرق حلب تحت سيطرة مقاتلي المعارضة. وقال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك أن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون «يود أن يعرب للأفرقاء المعنيين عن قلقه العميق» ازاء تقارير «لا تقدر الأمم المتحدة على التحقق منها بصورة مستقلة» تتحدث عن فظائع ارتكبت في الساعات الأخيرة في حلب بحق «عدد كبير» من المدنيين، بمن فيهم نساء وأطفال. وأضاف «الأمم المتحدة تشدد على أن كل الأطراف الموجودة على الأرض من واجبها حماية المدنيين والالتزام بالقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان»، معتبراً أن «هذا خصوصاً مسؤولية الحكومة السورية وحلفائها». وحذرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في بيان الثلاثاء من أن «أرواح آلاف المدنيين في خطر مع انحسار الجبهة إلى رقعة ضيقة في شرق حلب». وقال البيان «مع بلوغ المعركة تصعيداً غير مسبوق وغرق المنطقة في الفوضى، فإن الآلاف غير المشاركين في العنف لا يملكون مكاناً آمناً يتوجهون إليه»، مضيفة «قد تكون هذه الفرصة الأخيرة لانقاذ الأرواح». وقال شهود الأثنين في حي المشهد، أحد الحيين الذين لا يزالان مع الفصائل المعارضة، لوكالة فرانس برس أن الحي يشهد اكتظاظاً كبيراً بعد نزوح مدنيين من أحياء أخرى إليه مع تقدم الجيش، من دون أن يتمكنوا من احضار أي شيء معهم من منازلهم. وبين المدنيين الذين لا يعرفون إلى أين سيذهبون، عدد كبير من النساء والأطفال الخائفين الذين يبحثون عمّا يسد رمقهم، وقد افترش بعضهم الأرض فيما ينام آخرون على الحقائب أو يدخلون إلى المحال التجارية للاحتماء. نزوح ويقدر المرصد السوري عدد المدنيين الذين فروا من الأحياء الشرقية خلال نحو شهر بأكثر من 130 ألف شخص، نزحزا بمعظمهم إلى مناطق تحت سيطرة قوات النظام في غرب حلب أو تلك التي استعادها في شرق المدينة. وبث التلفزيون السوري مشاهد الثلاثاء تظهر مئات من المدنيين معظمهم من النساء يحملون أطفالهم وحقائبهم وهم يسيرون تحت المطر في طريق تحيط به أبنية مدمرة باشراف الجيش. وتناقل ناشطون بكثافة على مواقع التواصل الاجتماعي تغريدة للدفاع المدني الذي يضم مجموعة من المتطوعين في شرق حلب جاء فيها «كل الشوراع والأبنية المهدمة مليئة بالجثث، إنه الجحيم». وكتب الناشط الإعلامي في شرق حلب محمد الخطيب على صفحته على موقع فيسبوك «أيها العالم، هل يُعقل أن دماء وأرواح أهل حلب رخيصة إلى هذه الدرجة؟». وعملت قوات النظام السوري والمقاتلون الموالون لها صباح الثلاثاء، وفق ما أوضح مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبدالرحمن، لوكالة فرانس برس، على «تثبيت مواقعها وتمشيط الأحياء التي تمكنت من السيطرة عليها في الساعات الأخيرة وتحديداً الكلاسة والفردوس وبستان القصر». وقالت مراسلة لفرانس برس في غرب حلب أن دوي القصف بقي مسموعاً خلال ساعات الليل قبل أن تخف وتيرته صباحاً، مع تكوّن الضباب وتساقط كثيف للمطر. وبالإضافة إلى المشهد، لا يزال مقاتلو المعارضة يواجهون في أجزاء من حي السكري، بالإضافة إلى بضعة أحياء يتقاسمون السيطرة فيها مع قوات النظام. وتسبب هجوم قوات النظام على الأحياء الشرقية الذي بدأ في منتصف نوفمبر بمقتل 463 مدنياً على الأقل بينهم 62 طفلاً، بحسب المرصد، فيما قُتِلَ 130 آخرين بينهم 40 طفلاً في الأحياء الغربية جراء قذائف الفصائل. ومن شأن خسارة حلب أن تشكل نكسة كبيرة وربما ضربة قاضية للفصائل المعارضة التي كانت سيطرت على الأحياء الشرقية في مدينة حلب صيف العام 2012. ويشدد محللون على أن هذا الانجاز لم يكن ممكنا لولا دعم حليفين رئيسيين للنظام، هما روسيا وايران. ويتزامن تقدم قوات النظام في حلب مع تراجعها في وسط البلاد حيث تمكن تنظيم داعش من السيطرة على مدينة تدمر الأثرية في محافظة حمص بعد ثمانية أشهر على طرده منها بغطاء جوي روسي. وبحسب المرصد، تدور اشتباكات الثلاثاء غرب مدينة تدمر تزامناً مع غارات روسية كثيفة.