×
محافظة المدينة المنورة

العيص تودع الشهيد المرواني.. والوالد: حقق أعلى أمانيه

صورة الخبر

الشوقُ في دربِ الحبِّ أصعبُ المحطات، عندَ الشوقِ ندركُ قيمة المحبوب، نفتقده، نكلّمه وكأنه عنّا ما غاب، عند الشوقِ يَحضُرُنِي اللقاء قبل أن أحضُرَه، فأتوقُ رؤيتكَ بعدَ كلِّ صلاة أو سلام أو حلقة ذكرٍ أو مجلس إيمان، أنتظرُ لحظةَ الوصل كفتاةٍ تشتاقُ لأبيها بعدَ غياب، نبضُ الشوقِ لا ينقضي وخيالات اللقاء لا تنتهي. أخالُ دوماً مشهدَ الحشر، وأنتَ تسقي الأمةَ العطشى بماءٍ من يديك، وما للماءِ أن يروي أمامَ رَيِّ لُقياك!! وأنا هناك أنتظر دوراً بينَ الأنام وأظنُّ إذا وصلتُ أنّي سأودُّ أن أسقيكَ الماء قبلَ أن أستقي، وأظنُّ إذا وصلتُ أنّي سأسألك إن كنتَ تعرفني، أنا التي كنتُ إذا صليتُ عليكَ وسلمت، صمتُّ برهةً وقلتُ عسى أستشعرُ الردَّ منك، أتراك تعرفني؟ أنا التي أذنبتُ في يومٍ ذنباً فبكيتُ على فراقكَ حرقة، وددتُ لو أنّي أملك أن آتيك، أقولُ لكَ اقترفتُ يا رسول الله اليومَ ذنباً، أو خالط إيماني ريبٌ وشك، أو قسا قلبي وما عاد رق، فتدعو لي بحنانكَ دعوة، وأصلّي خلفكَ فأسمعُ صوتك بالقرآن جهراً. أتراكَ تعرفني؟ أنا التي رأيتُ جراح أمتي يوماً، وسمعتُ قصص ظلم وخيانة، وأحاديثَ تحمل هموماً صعبة؛ فخجلتُ منكَ إذا رأيتنا، خجلتُ من بكائكَ إلينا شوقاً.. آمنا بكَ يا رسول الله قبل أن نراك واشتقنا إليك عبر وصفكَ وهداك، لكنّا يا حبيب الله قصرنا، ضعفنا في حق أنفسنا، تهنا في حق أمتنا.. أتراكَ تعرفنا؟ يوماً قرأتُ في سيرتكَ يا رسول الله أنّك قلتَ لسلمان الفارسي: "أخبرني قصتك"، ومنذ ذلك الحين وفي قلبي رهبة من هذا السؤال؛ كلّما وهنتُ ضعفاً تذكرت إذا لاقيتكَ يوماً وقلت لي: "أخبريني قصتك"، فأعود لهمتي، لتنالَ رضاك قصتي، ولتكونَ أنت فيها أسوتي وقدوتي، يوماً قرأت في سيرتك يا رسول الله رقيّاً لا يشبهه أي رقي، وحناناً لا يشبهه أي حنان، وإنساناً لا يشبهه أي إنسان، ومنذ ذلك الحين وأنا أشتاقُ أن أخبرَ كلَّ الناس عنك، أن أحدِّث كلَّ الخلق عن أخلاقك، أن لا يكفَّ لساني الكلام عن نهجك، أن لا يكفَّ قلبي عن النبض بحبك، يوماً قرأت في سيرتكَ يا رسول الله موقفاً من أًصعب ما مرَّ على الحياة، في يومٍ عُدتَ فيه إلى الله، أرجَفَت المدينة وخارت قوى الرجال، ودخل عليك أبو بكرٍ فقبّلك من بين عينيكَ، وقال: "وانبياه، واخليلاه، واصفياه"، وقالت بعد ذاك ابنتك فاطمة، عليها السلام: "كيف طابت نفوسكم أن تحثوا على رسول الله التراب"، ومنذ أن أبكاني هذا النص علمتُ أنّ الأمانة من بعد موتكَ في رقابنا عظيمة، وأنّا نحتاج أن نجدد كلَّ يومٍ عهدنا وميثاقنا، أن نموتَ على ما مُتَّ عليه، أن نلقاكَ على ما فارقتَ الحياةَ عليه. ليومِ ميلادكَ رسول الله كلَّ عام شوق مختلف الملامح، وشوق هذا العام يخالطه الحاجةُ إليك، حاجةٌ تبعث على العمل والرباط، تبعث على الهمة دون كلٍّ أو ملل، فعليكَ يا نبي الله السلام، في يومِ ميلادكَ وفي كلِّ الأيام.. عليك الصلاة يا خير الأنام، وإليكَ الشوق يا نبينا العدنان. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.