قفزت أسعار النفط أمس إلى أعلى مستوياتها منذ منتصف 2015، لترتفع من أدنى مستوى لها سجلته عند 27.88 دولار للبرميل في شهر كانون الثاني (يناير) الماضي، لترتفع مكاسب النفط بنسبة 100 في المائة من أدنى مراكزه في 2016 ، حيث ارتفع سعر مزيج برنت 4.4 في المائة إلى 56.72 دولار للبرميل، فيما صعد خام غرب تكساس الأمريكي الوسيط أكثر من 5 في المائة ليسجل 54.08 دولار للبرميل. وبلغت مكاسب النفط 50 في المائة قبل عام مسجلة أعلى زيادة سنوية منذ أيلول (سبتمبر) 2011. واستهلت أسعار النفط الخام تعاملات الأسبوع الجاري على تسجيل مكاسب قياسية تجاوزت 6.5 في المائة وهو أعلى مستوى منذ منتصف العام الماضى 2015 وذلك كنتيجة مباشرة لنجاح منظمة أوبك والمنتجين المستقلين فى إبرام أول اتفاقية لخفض إنتاج "المستقلين" السبت الماضي بنحو 558 ألف برميل يوميا وتنفذ اعتبارا من أول كانون الثاني (يناير) المقبل، ويتم تقييمها بعد ستة أشهر والنظر في إمكانية تجديدها. وكانت أسعار النفط الخام قد ربحت نحو 19 في المائة عقب التوصل إلى اتفاق خفض الإنتاج داخل منظمة أوبك بنحو 1.2 مليون برميل يوميا فى 30 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي إلا أن المكاسب تقلصت نسبيا قبل اجتماع "أوبك" مع المستقلين في 10 كانون الأول (ديسمبر) الجاري بسبب حالة الترقب لنتائج الاجتماع. وتوقع مراقبون في السوق استمرار المكاسب والقفزات السعرية للنفط الخام على مدار الأسبوع وسط أجواء من الثقة والتفاؤل تهيمن على الأسواق مع نجاح المنتجين في "أوبك" وخارجها في التوصل إلى خطة خفض الإنتاج بنحو 1.8 مليون برميل يوميا اعتبارا من يناير المقبل التي ستسهم على نحو كبير في إنهاء فائض المعروض في الأسواق وتحقيق توازن سريع بين العرض والطلب. ومع اقتراب سعر البرميل من 60 دولارا. اعتبر الكسندر نوفاك وزير الطاقة الروسي في تغريدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي أن السعر مناسب بشكل كبير لكل المنتجين والمستهلكين وسيسهم على نحو فعال في تنشيط الاستثمارات مرة أخرى ودعم ميزانيات الدول المنتجة. وفي هذا الإطار قال أرورو تاكاهاشي مدير فرع شركة طوكيو للغاز في فرنسا لـ "الاقتصادية"، "إن توافق 22 دولة منتجة للنفط الخام على خفض الإنتاج منها 11 في "أوبك" و11 دولة خارجها لا شك أنه حدث استثنائي في تاريخ صناعة النفط الخام ويعتبر بداية لمرحلة جديدة في أسواق الطاقة تقوم على التنسيق والتعاون الدولي الواسع". وأضاف أنه "لا يمكن إنكار الدورين القياديين المهمين لكل من السعودية وروسيا في تحقيق هذا الإنجاز إلى جانب تحملها العبء الأكبر من خطة خفض الإنتاج، حيث تتحمل السعودية قرابة نصف مليون برميل يوميا وتتحمل روسيا 300 ألف برميل يوميا أي أقل بقليل من نصف كميات خفض الإنتاج لكل الدول". ونوه بأن وجود لجنة مكونة من وزراء خمس دول كبيرة وهى روسيا والكويت وفنزويلا والجزائر وسلطنة عمان لمراقبة خفض الإنتاج سيعطي مصداقية وثقة عالية في الأسواق، متوقعا التزاما كاملا من كل المنتجين بقيادة السعودية وروسيا كما أن عمل اللجنة متصل ويتمتع بالمرونة حيث ستعقد اجتماعات دورية لمراقبة التطبيق وستتدارس الأمر بعد ستة أشهر وتنظر في مدى إمكانية وملاءمة مد الاتفاقية ستة أشهر أخرى. من جانبه، قال الدكتور فيليب ديبيش رئيس المبادرة الأوروبية للطاقة لـ "الاقتصادية"، "إن الشكوك أحاطت كثيرا في الفترة الماضية بقدرة المنتجين على التوافق على خفض الإنتاج، لكن الجميع أثبتوا قدرتهم على التغلب على الخلافات الداخلية والرؤى والمصالح المتباينة، حيث توصلوا إلى اتفاقين تاريخيين في 30 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي على مستوى دول "أوبك" وفي 10 كانون الأول (ديسمبر) الجاري على مستوى "المستقلين". وأوضح أن المنتجين بهاتين الاتفاقيتين أسدلوا الستار على واحدة من أصعب وأطول الدورات الاقتصادية التي خاضتها سوق النفط الخام منذ منتصف عام 2014 وأن آفاق السوق أصبحت إيجابية ومبشرة "ونتطلع إلى فترة استقرار وتوازن جيدة تكون كفيلة بتعجيل معدلات النمو الاقتصادي وتنشيط الاستثمارات طويلة الأجل لتأمين الإمدادات المستقبلية". وشدد على ضرورة الالتزام الكامل والجاد من كل المنتجين بالتطبيق الفعال للاتفاقيتين، مشيرا إلى أن الأشهر الستة الأولى قد تكون صعبة نسبيا بسبب التعديل في نظم الإنتاج والتصدير، لكن النجاح سيقود إلى مد الاتفاقية ومن ثم الوصول إلى سوق متوازنة ومستقرة يلبي طموحات المنتجين والمستهلكين والاستثمارات. من ناحيته، قال بيرناد ماير أستاذ الجيولوجيا في جامعة كاليجاري في كندا لـ "الاقتصادية"، "إنه مع توقع تجاوز سعر النفط الخام لحاجز 60 دولارا للبرميل قريبا سينعكس الأمر على عودة الحياة مرة أخرى إلى استثمارات النفط والغاز الصخريين لكن توسعهما من جديد سيكون مدروسا وأكثر رشدا وسيأخذ في الحسبان احتمال تراجع الأسعار مرة أخرى". وتوقع أن فترة تقييد الإنتاج قد لا تستمر فترة طويلة بل سيلجأ المنتجون مرة أخرى إلى زيادة الإنتاج لكن بشكل مدروس ومحسوب وفي ضوء مؤشرات دقيقة وشفافة عن نمو مقابل في مستويات الطلب العالمي. وأشار إلى أن إنتاج الأمريكتين ممثل بقوة في خطة خفض الإنتاج خاصة المكسيك التي تتحمل نسبة معقولة من الخفض إلى جانب منتجي "أوبك" فنزويلا والإكوادور كما أن هناك توزيعا جغرافيا جيدا للمنتجين المخفضين للإنتاج، وهناك مساهمات جيدة من إفريقيا وآسيا إلى جانب المنتجين الرئيسين السعودية وروسيا. من جانب آخر، تراجعت سلة خام أوبك وسجل سعرها 50.04 دولار للبرميل يوم الجمعة مقابل 50.22 دولار للبرميل الخميس. وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" أمس "إن سعر السلة التي تضم متوسطات أسعار 13 خاما من إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة - بعد تجميد عضوية إندونيسيا - حقق ثالث تراجع له على التوالي فى نهاية الأسبوع، وذلك قبل نجاح اجتماع المنتجين السبت الماضي في خفض الإنتاج"، منوها بأن السلة كسبت نحو ستة دولارات مقارنة بالسعر الذي سجلته في آخر تعاملات شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي الذي بلغ 44.80 دولار للبرميل.