أصبحت الأسئلة الأكثر إلحاحا قبل أيام قليلة من انعقاد قمة الاتحاد الأوروبي لا تدور فقط حول تجميد أو إنهاء مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد أو تطبيق عقوبات عليها بسبب حملات الاعتقال والفصل والوقف عن العمل التي طالت عشرات الآلاف عقب محاولة الانقلاب الفاشلة في منتصف يوليو (تموز) الماضي، وإنما هناك سؤال أكثر أهمية حول مصير اتفاقية اللاجئين وإعادة قبول المهاجرين الموقعة بين تركيا والاتحاد في 18 مارس (آذار) الماضي. في الرابع والعشرين من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي أصدر البرلمان الأوروبي قرارا غير ملزم بتجميد مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، وهذه القضية ستطرح على طاولة قمة الاتحاد في اجتماعهم المقبل. وعلى الرغم من أن العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا تمر بمرحلة صعبة، فمن غير المرجح أن يغلق القادة الأوروبيون أبوابهم في وجه تركيا لأن المصالح المشتركة تبدو أكثر أهمية وفي المقدمة منها اتفاقية اللاجئين وهي ورقة قوية بيد تركيا. يتحدث الاتحاد الأوروبي عن غياب الإصلاح في تركيا وتراجع الديمقراطية وحملة ما بعد محاولة الانقلاب كعقبات في طريق المفاوضات، في حين تتهم تركيا الاتحاد الأوروبي بعدم الالتزام بعملية الانضمام، والتراجع عن تعهده بإعفاء المواطنين الأتراك من تأشيرة دخول الاتحاد، وإصدار رد فعل فاتر على محاولة الانقلاب الفاشل ودعم بعض التنظيمات الإرهابية التي تعمل ضدها. اتفاقية اللاجئين تبدو عاملا حاسما لدى الأصوات التي تطالب باستمرار المفاوضات مع تركيا، وقيمت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل السبت موقف الاتفاقية قائلة إنّ آلية إرسال لاجئ من تركيا بشكل مشروع إلى أوروبا مقابل كل لاجئ غير شرعي يتم إعادته من اليونان إلى تركيا، لا تسير على نحو صحيح. ورأت ميركل أنه «لا يزال هناك كثير من العمل الواجب القيام به لوقف نشاط المهربين بصورة فعلية» في إشارة إلى حركات اللاجئين عبر البحر المتوسط إلى إيطاليا. وأعربت ميركل عن تشككها حيال عقد اتفاقيات مشابهة مع ليبيا أو تونس أو مصر، لافتة إلى أن المحادثات الخاصة بهذا الموضوع لا تزال في البدايات: «وهذا يعني طبعا أنه يتعين علينا أن نساعد هذه الدول لأنها ستعاني جدا من إشكاليات اللاجئين». ووفقا لأحدث أرقام المفوضية الأوروبية الصادرة الخميس الماضي، فإن عدد اللاجئين السوريين الذي أعيد توطينهم من تركيا إلى أوروبا منذ تفعيل الاتفاقية في 20 مارس الماضي، بلغ 2761 لاجئا، مقابل 1187 لاجئا تم إعادتهم من الجزر اليونانية إلى تركيا. وتحولت مشكلة اللاجئين منذ توقيع اتفاق اللاجئين وإعادة قبول المهاجرين بين تركيا والاتحاد الأوروبي في 18 مارس الماضي إلى قضية شد وجذب بين تركيا والاتحاد الذي يخشى من أن تفتح تركيا أبوابها أمام اللاجئين إلى الدول الأوروبية. ونص الاتفاق على أن تتخذ الإجراءات اللازمة من أجل إعادة المهاجرين غير السوريين إلى بلدانهم، بينما سيجري إيواء السوريين المعادين في مخيمات ضمن تركيا، وإرسال لاجئ سوري مسجل لديها إلى بلدان الاتحاد الأوروبي مقابل كل سوري معاد إليها، ومن المتوقع أن يصل عدد السوريين في عملية التبادل في المرحلة الأولى 72 ألف شخص، في حين أن الاتحاد الأوروبي سيتكفل بمصاريف عملية التبادل وإعادة القبول. وتضمن الاتفاق التركي الأوروبي، الذي دخل حيز التنفيذ في 4 أبريل (نيسان) الماضي بنودا لتشجيع تركيا على أن تقوم بدور الجدار العازل الذي يمنع تدفق اللاجئين على دول أوروبا التي لا تريد أن تنتقل مشاكل الشرق الأوسط إلى عقر دارها وأن تتحمل مشاكل المزيد من اللاجئين وقد وصل إليها منهم أكثر من مليون لاجئ العام الماضي، بالإضافة إلى ما تعانيه من الإرهاب الذي ضرب الكثير من الأنحاء. وتعهد الاتحاد الأوروبي بمنح تركيا مبلغا يصل بالتدريج إلى 6 مليارات يورو لدعمها في تلبية احتياجات اللاجئين سواء في الإقامة أو الإعاشة أو التعليم. واتهم الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الاتحاد الأوروبي مرارا بالتأخر في سداد ثلاثة مليارات يورو تمثل القسم الأول من المساعدات التي وعد بها في إطار الاتفاق قائلا: «حتى الآن، سددوا 179 مليون يورو في حين أنهم كانوا وعدوا بثلاثة مليارات يورو، أذكرهم بأننا نكاد نصل إلى نهاية العام.. إنهم يطلقون الوعود لكنهم لا يفون بها». ورفضت المفوضية الأوروبية تصريحات الرئيس التركي وقالت: إن تقديم الدعم المالي للاجئين في تركيا تسارعت وتيرته في الشهور الأخيرة. وأعلنت ناطقة باسم المفوضية أن الاتحاد الأوروبي يحترم التزاماته بموجب الاتفاق الأوروبي التركي، والتلميحات بعكس ذلك بما في ذلك المساعدات المالية للاجئين في تركيا غير صحيحة وغير مفيدة. وذكرت المفوضية أن من بين الثلاثة مليارات يورو تم تخصيص 2.24 مليار للمساعدات الإنسانية وغير الإنسانية، و1.25 مليار يورو تم الاتفاق عليها و467 مليونا تم صرفها. كما وقعت المفوضية الأسبوع الماضي منحتين مباشرتين بقيمة 600 مليون يورو لدعم اللاجئين السوريين في تركيا. ووفق الموقع الرسمي للاتحاد الأوروبي، وافقت بروكسل هذا العام على تمويل مشاريع بقيمة تتجاوز 1.2 مليار يورو بينها 467 مليونا تم تحويلها لحساب اللاجئين في تركيا. وأطلق الاتحاد الأوروبي في أكتوبر (تشرين الأول) خطة مساعدة بقيمة 350 مليون يورو للاجئين في تركيا وخصوصًا السوريين، تتضمن منح المستفيدين من هذه الخطة بطاقات مسبقة الدفع قيمة كل منها 30 مليون يورو يخطط لأن تتوسع لتشمل مليون لاجئ. ورقة اللاجئين التي لطالما لوحت بها أنقرة للاتحاد الأوروبي للضغط من أجل مكتسبات كإعفاء المواطنين الأتراك من تأشيرة الدخول إلى الاتحاد الأوروبي، باتت هي السلاح الأقوى، وربما الوحيد، في يد أنقرة، كما يرى محللون أتراك، ولذلك سارع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إلى إشهارها في وجه بروكسل لمنع تصعيد الإجراءات ضد تركيا بعد قرار البرلمان الأوروبي بتجميد المفاوضات. وهدد إردوغان في خطاب غاضب بفتح حدود بلاده مع الاتحاد الأوروبي أمام اللاجئين في حال واصل الاتحاد الأوروبي تصعيد إجراءاته ضد أنقرة. ويعتبر قرار البرلمان نداء للدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي والمفوضية الأوروبية المخولة بإجراء المفاوضات، ولكن هذه المطالبة غير ملزِمة قانونًا وإن كانت ذات دلالة رمزية قوية. ولوح إردوغان بـ«عدة بدائل» عن الاتحاد الأوروبي منها منظمة شنغهاي. لكن رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر عبر السبت عن معارضته لتعليق المفاوضات حول انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. وقال: «خلافا للبرلمان الأوروبي، أنا لا أعتقد بأنه من الصائب تجميد المفاوضات مع تركيا، بل ويجب أن نعمل من أجل أن تتخذ تركيا من جديد الطريق نحو التقارب مع الاتحاد الأوروبي». كما عارض جان أسلبورن وزير خارجية لوكسمبورغ بوضوح، وقف مباحثات الانضمام للاتحاد الأوروبي مع تركيا. وقال أسلبورن أمس الاثنين، على هامش اجتماع مع نظرائه من الاتحاد الأوروبي: «أظل على قناعة بأننا سوف نخطئ، إذا قمنا بذلك. ليس لصالح الحكومة التركية، ولكن لمصلحة الشعب التركي». ويجتمع وزراء معنيون بشؤون أوروبا اليوم الثلاثاء للتشاور بشأن موضوع توسيع الاتحاد الأوروبي. وكان وزير الخارجية النمساوي سباستيان كورتس قد حفز مؤخرًا النقاش حول العلاقات المستقبلية مع تركيا من خلال مطالبته للبرلمان الأوروبي بتجميد المباحثات مع تركيا، منددا في الوقت ذاته بانتهاك الحكومة التركية لـ«دولة القانون والديمقراطية وحقوق الإنسان». الأمر نفسه الذي كانت قد أيدته الحكومة الهولندية، الجمعة، حيث قالت: إنها تسعى لتأمين تأييد أعضاء في الاتحاد لتجميد مؤقت لمفاوضات انضمام تركيا. وكانت تركيا قد طلبت رسميا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في 1987 وبدأت مفاوضاتها مع الاتحاد في 2005.