أكدت الفعاليات الشيشانية رئيسًا وعلماء تقديرها للمملكة العربية السعودية وريادتها للعالم الإسلامي، وخدمة المسلمين، مبينة أن مؤتمر الشيشان (غروزني) الذي عقد في العاصمة الشيشانية أغسطس الماضي لم يعقد للإساءة للمملكة أو علمائها، وأن الجميع يقدرون المملكة العربية السعودية حكامًا وعلماء، كما لم يقصد المؤتمر الإساءة إطلاقًا لأي مذهب أو مدرسة علمية إسلامية، فضلاً عن دولة بعينها، أو علمائها. ونوه الجانب الشيشاني بالدور الحيوي والنشط لصاحب السمو الملكي ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع بالمملكة العربية السعودية، الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، في التلاقي المثمر بين الإخوة الأشقاء في ضوء الرؤية الإسلامية الموفقة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز. وأشاد الجانب الشيشاني بالطرح المؤسسي «العالمي» لمواجهة الأفكار الإرهابية والتكفيرية، واقتلاعها من جذورها، من خلال مركز متخصص، هو «مركز الحرب الفكرية» بوزارة الدفاع بالمملكة العربية السعودية، وثمنوا هذه الخطوة «العالمية» الرائدة والحاجة العصرية الملحة لها في نطاق انتشارها الواسع؛ باعتبار أن الإرهاب والتكفير لا دين لهما ولا وطن، وأن وحلهما شمل من ولدوا ونشؤوا وتعلموا في بلاد غير إسلامية، وذلك أن أيديولوجية التكفير والطائفية والكراهية والإقصاء لا صلة لها بأي من مذاهب ومناهج أهل الإسلام في أصولهم ولا فروعهم، وأن التجاوزات والمزالق الفردية تحسب على أصحابها ولا تعمم على المؤسسات العلمية والدعوية، فضلاً عن الدول. جاء ذلك خلال لقاء فخامة الرئيس الشيشاني رمضان أحمد قاديروف في العاصمة غروزني يوم الأربعاء الماضي بمعالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى، الذي التقى أيضًا بفضيلة المفتي العام لجمهورية الشيشان الشيخ محمد صالح مجييف، وفضيلة المستشار الديني لفخامة الرئيس الشيخ آدم شهيدوف، وجمع من علماء الشيشان، وذلك في أولى الجولات الخارجية لرابطة العالم الإسلامي بعد استلام الدكتور محمد العيسى مهام قيادتها. وقد شدد الجانب الشيشاني خلال اللقاءات على أن مؤتمر غروزني جاء لتصحيح وتوضيح مفهوم أهل السنة والجماعة، هذا المفهوم الذي اختطف وشوه على أيدي الجماعات التكفيرية المتطرفة، وأنه قد التزم بموضوعه وعنوانه، وهو بيان من هم أهل السنة والجماعة، فلم يكفّر أحدًا، بل أقصى فقط عن هذا المفهوم التكفيريين والمجسمة والمشبهة. واطلع وفد رابطة العالم الإسلامي على النص (الحقيقي) لمقررات المؤتمر؛ إذ تبيّن أن المؤتمر «يشدد على هذا المنهج الإسلامي الجامع للقلوب المؤلف بينها، وأن عامة أهل القِبلة هم على هدي الإسلام وسنة المسلمين، ويمثلون جماعتهم إلا من أبى أن يحسب منهم بقوله أو فعله». وتبيّن أن هناك تداولاً «لعبارات وفقرات ليست من مقررات المؤتمر، حُسبت عليه وليست منه». وأكد الجانب الشيشاني أن المؤتمر قد أقصى في سياق مقرراته «الحقيقية لا المنتحلة عليه» خلال دور انعقاده خلال الفترة 22ـ 24 من ذي القعدة سنة 1437هـ، الموافق 25ـ 27 من أغسطس سنة 2016، الإرهابيين والتكفيريين الذين عاثوا في الأرض فسادًا من «أدعياء السلفية» و»أدعياء الأشاعرة»، وغيرهم، وأن أهل السنة والجماعة بريئون منهم. من جانبه، أكد معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي رئيس مجلس إدارة الهيئة العالمية للعلماء المسلمين نائب رئيس المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى أن من خرجوا على أمر ولاة أمرهم، وعاثوا في الأرض فسادًا بضلال منهجهم التكفيري، هم من جملة الخوارج، أيًّا كان مكانهم، وزمانهم، وأسماؤهم، وأيًّا كانت انتحالاتهم المذهبية وذرائعهم الفكرية. وبيّن معاليه أنه تم الاطلاع على أبحاث المؤتمر التي حفلت بالطرح الموضوعي الداعي للتآلف المحذر من التطرف والتكفير، تحت مظلة سُنة الإسلام وجماعته.. وأن الجانب الشيشاني شدد على أن «علماء الشيشان المشاركين حرصوا على تبيين مفهوم أهل السنة والجماعة على حقيقته؛ لارتباطه الوثيق بتاريخ خارجي، عندما تدخَّل في شأنهم وكفرهم ثلة من المتطرفين التكفيريين تحت هذا اللقب، وتطاولوا على منهجهم الوسطي المعتدل الحاقن للدماء بقيادة الرئيس الأول لجمهورية الشيشان بطل روسيا أحمد حجي قاديروف في مكافحة الإرهاب وأعداء الإسلام وإنقاذ الشعب الشيشاني». كما أضاف بأن «إخوانهم علماء المملكة العربية السعودية في طليعة من أنكر على هذا المنهج الخارجي التكفيري، وحذر من شره، وخروجه على ولاة أمره في حينه، وفتاواهم معلومة متداولة في هذا». وأكد معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي أن من لم يسعه اسم الإسلام فلن يسعه الحق المبين الذي بعث الله به نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم؛ فلا اسم لنا، ولا وصف، ولا شعار، ولا مظلة، ولا مصطلح سوى الإسلام، وأن تنوع المدارس الإسلامية يحسب لثراء المنهج العلمي الذي نسير عليه منسوبًا في اجتهاداته الفقهية لكل إمام من أئمة تأصيله على هدي الكتاب والسنة. وأعرب معاليه عن استعداده لمواصلة العمل الوثيق مع فضيلة المفتي وكبار العلماء في جمهورية الشيشان. وقد شكر معالي الأمين العام فخامة الرئيس الشيشاني على ما شمل به وفد رابطة العالم الإسلامي من حسن الوفادة وكرم الضيافة؛ إذ استضافهم ـ بصفة خاصة ـ في القصر الجمهوري، وأن هذه الحفاوة تترجم الشعور الإسلامي لدى فخامته نحو إخوانه في رابطة العالم الإسلامي، مؤكدًا: «شاهدنا جهوده الطيبة في بناء المساجد، ومراكز تحفيظ القرآن الكريم، وإقامة المناشط الإسلامية.. وقد تواصلت هيئات رابطة العالم الإسلامي مع بعض تلك المراكز، خاصة الهيئة العالمية لتحفيظ القرآن الكريم. كما لمسنا حكمة قيادة فخامته متمثلة في حرصه على تجنيب الشيشان أي اختراقات تكفيرية أو طائفية، وعدم السماح لها بنشر منهجها الضال على أرض الشيشان». كما التقى معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي بكبار علماء جمهورية الشيشان، بحضور فضيلة المفتي العام، وفضيلة المستشار الديني لفخامة الرئيس، وذلك في سياق لقاءات معاليه بالفعاليات الشيشانية. ودار خلال تلك اللقاءات حوارات أخوية، أوضح فيها معاليه أن دين الإسلام هو دين الرحمة والسماحة والتعايش، وأنه نبذ التطرف والتشدُّد باعتباره مرتكز نظريات الإرهاب والتكفير. وبيَّن الشيخ الدكتور العيسى أنه «ما أساء أحد إلى الإسلام مثلما أُسيء إليه في هذه الأزمنة من داخله المحسوب عليه؛ فتأثرت بذلك الصورة الذهنية عن ديننا الحنيف لدى غير المسلمين، بل إن ذلك قد فتن بعض المسلمين أنفسهم. وأنه لا بد من تضافر الجهود لمواجهة هذا المد السيئ، وتغيير صورته النمطية السلبية إلى الحقيقة الإيجابية التي شغفت قلوب الخلق في أهم تحول شهدته البشرية، عندما دعا النبي صلى الله عليه وسلم في زمنه أشد الخلق جاهلية وعنادًا وعصبية فدخل الناس بهذه الدعوة المباركة في دين الله أفواجًا، وأن الكتاب الكريم بيّن سر ذلك بقوله تعالى: {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظًّا غليظ القلب لا نفضوا من حولك...}». وأكد معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي أن بيان الحق، سواء في الفروع أو الأصول، يكون في إطار أدب الإسلام وسمته الرفيع، بعيدًا عن الإساءة والتجريح، أو المبادرة بالإقصاء عن جماعة المسلمين. وبيّن معاليه أن أشد ما مُنيت به الأمة الإسلامية فيما طال توافقها وتآلفها ووحدة كلمتها هو الأسماء والأوصاف والشعارات المحدثة التي تناحرت بها بعد شؤم مزاحمتها اسم ووصف وشعار الإسلام الجامع الذي سمانا الله تعالى به. مبينًا أن هداية الإسلام لا تختزل في منهج أحد بعينه سوى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فهو أسوة الجميع، وهو المعصوم وحده فيما يبلغه عن ربه - جل وعلا -، ومن سواه ليس بمعصوم، ويعتريه الفوات والخطأ، سواء في الأصول أو الفروع، وكلٌّ يؤخذ من قوله ويرد إلا من عصمه الله تعالى، وهو نبينا محمد - عليه الصلاة والسلام - وحده دون سواه. وقد سلك الخلفاء الراشدون ـ رضوان الله عليهم ـ من بعده - صلى الله عليه وسلم - مسلك الحق؛ فاتباع سنتهم مأمور به على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقد علم المولى سبحانه في سابق علمه هداهم ورشدهم من بعده - عليه الصلاة والسلام -؛ فهم على نهجه بهداية الله وحفظه لهم، ومن سلك سبيلهم فهو على الهدى. وأوضح معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي أن الاختلاف والتنوع والتعدد سنة من سنن الله تعالى في كونه، وهو في إطار فروعه الفقهية ونحوها ذات الرحابة في تقبُّل الاختلاف، ويُعد من سعة الشريعة ويسرها، حتى أرشد الإمام أحمد بن حنبل ـ رحمه الله ـ من ألّف كتابًا فسماه كتاب الاختلاف، فقال: «سمه كتاب السعة». وقال ابن العربي: «اختلاف العلماء رحمة للخلق، وفسحة في الحق، وطريق مهيع إلى الرفق». وتابع معاليه قائلاً: وعلى الجميع أن يكونوا على هدى رشيد في الأصول، على أن البعض أدخل في الأصول ما ليس منها؛ ليتقوى بها أمام خصومه، وهذا غلط على منهج الأصول من جهة، ومضعف لها ومجرئ عليها في أخرى.