بغداد ـ أكدت مصادر عراقية أن إيران باتت ترفض بشدة أي دور سياسي مستقبلي لرئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، وأن جميع التحركات التي وصلت الى حد منعه من حضور اجتماعات شعبية في عدد من محافظات الجنوب كانت بتدبير من أحزاب سياسية شيعية وشخصيات سياسية تحظى بدعم إيراني قوي وتعول عليها طهران في قيادة العراق في مرحلة ما بعد تنظيم الدولة الإسلامية بعيدا عن أي توترات يمكن أن تثيرها عودة المالكي للمشهد السياسي. وقالت المصادر إن المقربين من المالكي يعلمون جيدا هذه الحقيقة لذلك يجدون صعوبة في التصريح بأسماء الجهات السياسية التي يتهمونها بمحاولة اغتيال المالكي جسديا وسياسيا. وقال المكتب الإعلامي لحزب الدعوة الإسلامية في بيان له الاثنين إن "الذين تظاهروا في محافظات الناصرية والعمارة والبصرة ضد الأمين العام لحزب الدعوة الإسلامية الأخ المالكي هم من الخارجين عن القانون الذين أنهى المالكي جرائمهم في صولة الفرسان وهم يتبعون إلى كتلة سياسية معروفة بالشغب". وأضاف أن "هؤلاء الخارجين عن القانون سيواجهون صولة فرسان أخرى دفاعا عن محافظات الجنوب". ووصف الحزب المتظاهرين ضد المالكي في محافظة البصرة بأنهم "خارجون عن القانون"، مشيرا إلى أنهم يتبعون كتلة سياسية "معروفة بالشغب"، فيما توعدهم بـ"صولة فرسان أخرى". كما اعتبر عباس الموسوي المستشار الإعلامي للمالكي أن التظاهرة التي شهدتها محافظة البصرة السبت محاولة لـ"قتل المالكي سياسيا وجسديا"، فيما اتهم جهات سياسية لم يسمها، بـ"تحريض" المواطنين على التظاهر. ويؤكد مراقبون أن عدم قدرة المدافعين عن المالكي داخل حزب الدعوة على الكشف عن الجهات والشخصيات السياسية التي تستهدفه أساسه الشعور بحالة من الضعف وبالرفض الشعبي للمالكي داخل الوسط الشيعي عدا عن رفضه في عموم العراق. وعمليا، يجد المالكي معارضة شرسة داخل المكون الشيعي نفسه عدا عن رفضه داخل المكون السني. ولعل صراعه مع رجل الدين العراقي وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر أحد ابرز علامات هذا الخلاف. كما أن تباين المصالح الاقتصادية والدينية والسياسية، والخلافات القديمة التي ترجع الى ما قبل احتلال العراق ومعارضة نظام صدام حسين من خارج العراق قد جعلت من التعامل السياسي بين المالكي وحزب الدعوة من جهة وآل الحكيم ومجلسهم الإسلامي الأعلى من جهة أخرى مجرد توافقات ظاهرية املتها ظروف المرحلة الماضية. ويقول محللون إن ملامح استقرار الوضع داخل العراق بعد كل الحروب التي شهدها، والتي تلوح من خلال السيطرة الشيعية التامة عليه، باتت تغري الكثير من مكونات الطيف السياسي الشيعي بالاستعداد للإعلان عن نفسه كقوة سياسية ودينية واجتماعية بعيدا عن التحالفات التي أملتها ظروف الحرب على الخصم الطائفي في وقت من الأوقات. ويؤكد المحللون أن الحملة الشيعية على المالكي تدل على أن الصراعات على السلطة والحكم تتهيأ لتدخل البيت الشيعي الكبير داخل العراق لا سيما بعد القضاء نهائيا على خصمهم السني وإضعاف قدرته على منافستهم في حكم العراق الى حد كبير. ويضيف هؤلاء أن من سيحكم العراق من الشيعة هو من سينال رضاء طهران أكثر من غيره. وبينما كان المالكي يواجه غضبا شيعيا متناميا كان عمار الحكيم في ضيافة مرشد إيران علي ليقدم له إيجازا حول نتائج زيارته للأردن مشروع التسوية. وقد استمع منه لنصيحة بعدم شمول البعث والرافضين لسياسة التحالف الشيعي بهذه التسوية إضافة لـ"عدم الثقة بالاميركيين والانخداع بابتسامتهم". وتدرك طهران التي رفعت يدها عن المالكي منذ أن قبلت بإقالته من منصبه في 14 أغسطس 2014 تحت ضغط أميركي، وذلك على خلفية اتهامه بتسليم شمال العراق لتنظيم الدولة الإسلامية، ان المالكي شخصية خلافية وأن عودته للساحة السياسية من بوابة حكم العراق يمكن أن يعقد عليها مواصلة تنفيذ أهدافها في العراق التي تطلب حالة من الاستقرار ومن الإجماع والتكاتف ووحدة الصف الشيعي في المعارك السياسية المقبلة، وهي حالة لا يمكن ان تتوفر في العراق في حالة عودة المالكي لحكم العراق باعتبار ان كارهيه في كل مكان داخل وخارج العراق. وتخشى طهران أن تكون عودة المالكي لحكم العراق سببا في حدوث توترات سياسية داخلية وإقليمية وحتى دولية، إذ أن الرجل الذي اوكلت له مهمة تدمير المكون السني العراقي وإضعافه الى اقصى حد ممكن لم يعد لديه ما يقدمه وبات عليه ان يغادر بلا رجعة. وقال الموسوي إن "ما حصل من تظاهرات في محافظة البصرة وخروج نساء وأطفال للاحتماء خلفهم من قبل المتظاهرين هو محاولة لقتل المالكي سياسيا وجسديا". وأضاف أن "ما نقصده بقتله جسديا بطريقة قتل مجيد الخوئي، أما سياسيا فمن خلال جره للصدام بين المدنيين والشرطة"، لافتا إلى أن "هناك أطرافا كانت ستستهدف المدنيين في حال حدثت تلك الفوضى". وقال الموسوي إن "التظاهرات لم تكن عفوية، بل كانت مدفوعة من جهة سياسية حرضت عبر وسائل التواصل الاجتماعي لحصول ذلك". وشهدت محافظة البصرة، السبت تظاهرة ليلية قرب ديوان المحافظة احتجاجا على زيارة زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، وطالبوه بمغادرة المحافظة، فيما رددوا هتافات غاضبة ضده من ضمنها "ملعون المالكي ويا راعي الفساد وحامي الحرامية ويا سارق المال العام". وكان متظاهرون في محافظة ميسان قد اجبروا المالكي على تأجيل مؤتمر عشائري كان من المقرر عقده، وفيما رفع المتظاهرون شعارات ضد زيارة المالكي للمحافظة، اتهموه بـ"انتهاج الدكتاتورية خلال فترة حكمه" و"تسليم" مدينة الموصل الى تنظيم الدولة الإسلامية كما اتهموه بأنه المسؤول الاول عن مجزرة سبايكر.