حراك احتجاجي متصاعد ينذر بشتاء ساخن في الشارع التونسي الاحتجاجات الاجتماعية في تونس لا تخلو من مفارقة تتمثل في أن تلك الاحتجاجات التي تترجم حاجات ومطالب شرائح واسعة من التونسيين على رأسها مطالب التشغيل، كثيرا ما تتحوّل إلى عائق أمام تحقيق ذات المطالب بتعطيلها مصالح حيوية ومؤسسات ضرورية لإدارة عجلة الاقتصاد ولتوفير مناصب الشغل. العرب [نُشرفي2016/12/11، العدد: 10482، ص(2)] شهية مفتوحة للاحتجاج تونس - منعت الشرطة التونسية السبت مئات المحتجين من الوصول إلى مبنى البرلمان للتظاهر والمطالبة بحقوق اقتصاديّة واجتماعية. ويبدو الشارع التونسي مقبلا على شتاء ساخن على وقع تصاعد الحراك الاحتجاجي، كانعكاس لتراجع الوضع الاقتصادي للبلاد وما نجم عن ذلك من تأثيرات على الوضع الاجتماعي لشرائح واسعة من التونسيين، ومن تباطؤ في توفير مناصب الشغل للآلاف من الشبان، لا سيما من خريجي الجامعات. وتقول حكومة رئيس الوزراء يوسف الشاهد إنّ هذا الظرف استثنائي ومرتبط بوضع إقليمي وعالمي يتميّز بعدم الاستقرار بما له من تأثيرات مباشرة على قطاعي السياحة والاستثمار الخارجي، مؤكّدة أن عملية الخروج منه وتجاوزه بدأت فعلا بدليل نجاح مؤتمر الاستثمار الذي احتضنته البلاد مؤخرا. ومن جهتهم يرى بعض المنتقدين لكثافة الحراك الاحتجاجي، لا سيما من المستثمرين وأصحاب المشاريع، أنّ الاحتجاجات غير مرتبطة دائما بسوء الأوضاع، بقدر ما هي على صلة بما يصفونه بـ”فائض الحرية” الذي بات سائدا في البلاد في مرحلة ما بعد حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي. ويرى هؤلاء في اتساع الاحتجاجات لتشمل طبقات توصف بـ”الميسورة” قياسا بفئات اجتماعية أخرى سندا لما يطرحونه. وتظاهر مؤخرا المحامون وشنّوا إضرابا عن العمل احتجاجا على مسعى حكومي لفرض ضرائب عليهم اعتبروها انتقائية وتمييزية ضدّهم. كذلك قرّر أصحاب الصيدليات الدخول في أضراب يوم الرابع عشر ديسمبر الجاري احتجاجا على فصل في قانون المالية لسنة 2017 يتعلق بفرض أداء على القيمة المضافة، يقدر بـ6 بالمائة على الأدوية التي يتم توريدها. وسبق لدوائر اقتصادية أنّ حذّرت من أن بعض الاحتجاجات تحوّلت إلى سبب مباشر في نفور المستثمرين من توظيف أموالهم بالبلد، بل وفي تعطيل مصالح اقتصادية حيوية مثل سدّ الطرق ومنع تصدير مادّة الفوسفات، أكثر القطاعات الاقتصادية التونسية تضررا من الاحتجاجات منذ سنة 2011. ومن هذا المنظور تغدو الاحتجاجات المطالبة بمكاسب اجتماعية جديدة سببا في ضياع مكاسب متحقّقة أصلا، بما في ذلك خسارة مناصب شغل. وخلال الأسبوع الماضي تم تفادي إضراب كبير كان أثار مخاوف من أن يزيد من تعكير الوضع الاقتصادي في البلاد، وفي تكريس صورة البلد غير المستقر اجتماعيا لدى شركاء دوليين أبدوا خلال مؤتمر الاستثمار الأخير استعدادا لمساعدة تونس على تنشيط دورتها الاقتصادية. إلى ذلك تجهد تونس لمواجهة تبعات الأوضاع الأمنية المتفجّرة في المنطقة لا سيما، في ليبيا المجاورة، والتي لم تقتصر على حرمان التونسيين من مبادلات تجارية كانت نشطة مع ليبيا، ومن الآلاف من مناصب العمل، بل امتدت إلى الداخل التونسي الذي شهد عمليات إرهابية منها ما استهدف بشكل مباشر مرافق سياحية على غرار المتحف الأثري في ضاحية باردو بالعاصمة، وأحد النزل في مدينة سوسة ما مثل طعنة لأكثر قطاعات الاقتصاد التونسي حيوية وأكثرها توفيرا لمناصب الشغل. تحول بعض الاحتجاجات المطالبة بمكاسب اجتماعية جديدة إلى سبب في ضياع مكاسب متحققة أصلا بما في ذلك خسارة مناصب شغل وكثيرا ما طالب مسؤولون أمنيون في تونس بالحدّ من وتيرة الاحتجاجات التي ترتب بدورها على الأجهزة الأمنية أعباء وجهودا تحتاجها في مواقع أخرى لحماية الحدود والمنشآت الحيوية. وألغى الاتحاد العام التونسي للشغل إضرابا عاما كان مقررا ليوم الخميس الماضي بعد أن توصل لاتفاق مع الحكومة بشأن تقسيط الزيادة في أجور الموظفين. وكان الاتحاد المذكور الذي يضم قرابة المليون عضو هدد بإضراب شامل في القطاع العام بسبب اعتزام حكومة الشاهد تجميد الزيادة في الأجور، تنفيذا لسياسة التقشف التي أملتها المصاعب الاقتصادية. لكن الاتفاق الذي نص على تقسيط الزيادة على عامي 2017 و2018 أنهى الخلاف وألغى الحاجة إلى الإضراب. واعتبر حسين العباسي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل أن الاتفاق يتيح للبلاد مزيدا من الاستقرار ويساعدها على تفادي أيّ توترات اجتماعية، بينما قال عبيد البريكي وزير الوظيفة العمومية والحوكمة إن الاتفاق سيكلف الحكومة 418 مليون دولار، علما أن البريكي ذاته من كبار رموز اتحاد الشغل قبل أن يعيّن وزيرا في حكومة يوسف الشاهد. ويقول مسؤولون بصندوق النقد الدولي إن أجور القطاع العام في تونس من بين أعلى المعدلات في العالم حيث تصل إلى حوالي 13.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. وفي احتجاجات السبت، رفع المحتجون في التحرك الذّي نظمه المنتدى التونسي للحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة ـوهو منتدى مستقل- وانضوت تحته مجموعات من المواطنين القادمين من مختلف محافظات البلاد كل حسب مطلبه، شعارات على غرار “يا شهيد يا شهيد على دربك لن نحيد” و”التشغيل استحقاق” و”لا خوف لا رعب، السلطة بيد الشعب”. وبحسب ماهر حنين عضو الهيئة المديرة للمنتدى فإن أبرز مطالب المتظاهرين تتمثل في الحق في التشغيل والتنمية وتحسين ظروف العمل وخلق البيئة السليمة وكذلك في معرفة مصير الشباب المفقود في مراكب الهجرة غير الشرعيّة. وفي تصريح لوكالة الأناضول قال رئيس المنتدى عبدالرحمن الهذيلي “هذه التحركات ذات طابع خصوصي باعتبارها غير منظمة ومؤطرة ضمن نقابات أو جمعيات، تناضل منذ سنوات من أجل التشغيل والتنمية، وأرادت بمناسبة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تبليغ رسالة للسلطات من خلال احتجاجها من أجل ضرورة النظر في مطالبهم”. كما اعتبر الهذيلي أنّ “الحكومة لوحدها تتحمل تبعات مواصلة تجاهل هذه الملفات والمطالب”. من جانبه أكّد حنين أنه “آن الأوان لتطلع السلطات على هذه الأصوات الشعبيّة التي تدافع عن حقوقها وقد تقدّمنا بمراسلة للبرلمان بهدف تمكين ممثلين عن المحتجين لتبليغ رسالة لهم تتضمن مختلف مطالبهم”. وتزامنت الوقفة الاحتجاجية مع طرح الموازنة العامّة للبلد لسنة 2017 للنقاش بالبرلمان للمصادقة عليها وقد رصد نحو 15 مليار دولار، وهو مبلغ وصف بالضئيل قياسا مع كثرة المتطلبات ومنها تحقيق نسبة عالية من النمو لتوفير المزيد من مناصب الشغل لعدد متزايد من العاطلين عن العمل من ضمنهم الآلاف من خريجي الجامعات. وفي العديد من المناسبات لفتت الحكومة التونسية إلى أنه من أبرز أولوياتها بالإضافة إلى كسب الحرب على “الإرهاب” تسريع نسق النموّ والتشغيل وتنفيذ سياسة اجتماعية ناجعة والتحكم في التوازنات الماليّة والحفاظ على النظافة والبيئة. غير أنّ التونسيين يقولون إنّهم لم يلمسوا إلى حدّ الآن أثرا على أرض الواقع لهذه التوجهات السياسية المعلنة الأمر الذي يفسّر ارتفاع وتيرة الاحتجاجات بالشارع التونسي. ووفق إحصاءات المنتدى التونسي للحقوق الاقتصاديّة والاجتماعية فإنّ الفترة الممتدة من يناير 2016 إلى حدود بداية سبتمبر الماضي شهدت ارتفاعا في وتيرة التحركات الاحتجاجية التي بلغ عددها 4800. :: اقرأ أيضاً تفجير العباسية يعمق التحدي الأمني في مصر إشارات إيرانية تدفع باتجاه إعلان الحكومة اللبنانية خلال أيام قطر.. متى يصبح البيت أولى من جماعات الإسلام السياسي داعش يستعيد تدمر فجأة في انتصار مؤقت