بيروت: «الشرق الأوسط» تحول الاقتصاد السوري خلال الأعوام الثلاثة الماضية إلى اقتصاد حرب، حيث الأولوية هي لتأمين المواد الأساسية كالوقود والغذاء، وسط تراجع في نشاط الكثير من القطاعات الإنتاجية. إلا أن هذا الاقتصاد تفادى الانهيار رغم العقوبات الغربية على تصدير النفط الذي كان يشكل مصدر الدخل الأساسي للحكومة، وذلك بفضل عوامل عدة أبرزها دعم حليفتيه روسيا وإيران، واستقرار سعر صرف الليرة السورية رغم فقدانها ثلاثة أرباع قيمتها منذ منتصف مارس (آذار) 2011. ويقول الخبير الاقتصادي جهاد يازجي بأن «الاقتصاد السوري تحول بشكل جذري (...) دمر الاقتصاد الذي كنا نعرفه إلى حد كبير. ثمة قطاعات واسعة من الاقتصاد السوري توقفت عن الإنتاج، والكثير من اللاعبين الاقتصاديين غادروا البلاد». ويوضح مؤسس موقع «سيريا ريبورت» الاقتصادي، أن «الحرب أنتجت اقتصادا جديدا نسميه اقتصاد الحرب. باتت السرقة وأعمال الخطف والحواجز والسيطرة على حقول النفط... مصادر دخل (...) ثمة رجال أعمال أفادوا من الحرب، ومؤسسات وشبكات جديدة نمت معها». ويرى مدير الدراسات والبحوث الاقتصادية في الشركة المتحدة للاستثمارات المالية في الأردن مازن أرشيد أن «الاقتصاد السوري بات اقتصاد حرب، لأن سوريا ساحة قتال يشارك فيها الجميع». وشهدت البلاد منذ منتصف مارس 2011 احتجاجات مناهضة لنظام الرئيس بشار الأسد، تحولت بعد أشهر إلى نزاع دام أودى بأكثر من 140 ألف شخص، وأدى إلى تهجير الملايين إلى خارج البلاد وفي داخلها. ورجحت وحدة البحوث الاقتصادية في مجلة «الإيكونومست» البريطانية في فبراير (شباط) 2014، انخفاض الناتج المحلي في سوريا إلى 34 مليار دولار في عام 2014، بعدما وصل إلى 60 مليارا في 2010. وأفاد تقرير للأمم المتحدة في أكتوبر (تشرين الأول) 2013، أن نصف السكان البالغ عددهم 23 مليون شخص باتوا تحت خط الفقر، و4.4 مليون منهم يعانون من «فقر مدقع». وبلغ معدل البطالة 48.6 في المائة. دفعت هذه الأوضاع بالسوريين إلى التأقلم مع ظروف قاسية. ويقول يازجي «ما يطلبه السوريون اليوم خبز وشاي وسكر، وهذا قابل للتأمين». وبحسب تقرير الأمم المتحدة، خسر الاقتصاد السوري حتى النصف الثاني من 2013، ما مجموعه 103 مليارات دولار، منها 49 مليارا في 2012. وأعلن مسؤولون رسميون سوريون في سبتمبر (أيلول) الماضي، أن خسائر قطاع السياحة بلغت مليارا ونصف مليار دولار، والصناعة 2.2 مليار. وكان النفط، أبرز مداخيل الحكومة، أكثر القطاعات تضررا، إذ انخفض الإنتاج بنسبة 96 في المائة، من 385 ألف برميل يوميا إلى 14 ألفا فقط، بحسب ما أعلن وزير النفط سليمان العباس في فبراير. ويعود هذا التراجع الحاد إلى سيطرة مقاتلي المعارضة على غالبية حقول النفط في محافظتي دير الزور (شرق) والحسكة (شمال شرق)، إضافة إلى العقوبات الأوروبية على استيراد النفط السوري منذ سبتمبر 2011. وبحسب يازجي، كان الأوروبيون «يشترون 90 في المائة من النفط السوري». وإزاء حاجة الاستهلاك اليومي البالغ 150 ألف برميل يوميا، لجأ النظام لاستيفاء حاجته من إيران، أبرز حلفائه الإقليميين، عبر خط ائتماني بقيمة 3.6 مليار دولار وقع نهاية يوليو (تموز) 2013. وتستورد سوريا عبر هذا الخط ما قيمته 400 مليون دولار من النفط شهريا. ويرى يازجي أن هذه الخطوات تظهر «اعتماد سوريا على إيران ليس فقط من الناحية العسكرية، بل باتت لإيران أهمية اقتصادية أيضا». كما وقعت سوريا في ديسمبر (كانون الأول) اتفاقا ضخما مع شركة روسية للتنقيب عن الغاز والنفط في مياهها الإقليمية، بتمويل من موسكو. ويرى أرشيد أن «سوريا تقف على رجليها اقتصاديا بدعم من حلفائها»، وأنه في ظل هذه التحالفات «لا يمكن توقع انهيار اقتصادي قريب». ويربط الخبير الأردني بين المكاسب العسكرية للنظام، لا سيما منذ استعادة مدينة القصير الاستراتيجية في ريف حمص (وسط) مطلع يونيو (حزيران) بدعم قوي من حليفه حزب الله اللبناني، وثبات المؤشرات الاقتصادية. ويقول: «خلال الأشهر الماضية تحسن وضع الليرة السورية (...) نتيجة المكاسب العسكرية على الأرض». وقبل اندلاع الأزمة، بلغ سعر صرف الدولار الأميركي 50 ليرة سوريا. إلا أن السعر تدهور إلى أكثر من 300 ليرة للدولار خلال صيف عام 2013، إبان تلويح الولايات المتحدة بشن ضربة عسكرية ضد النظام. ومع تراجع احتمالات الضربة وتدخل المصرف المركزي، عاد سعر الصرف إلى مستويات مستقرة تراوح حاليا بين 150 و160 ليرة للدولار. ويوضح يازجي أنه «بشكل عام، أي تغيير سياسي لصالح النظام يعزز الليرة، وأي تغيير سياسي في غير صالحه يضعفها». ويعدد عوامل إضافية ساعدت الاقتصاد على الثبات، منها انخفاض عدد السكان وتراجع قدرتهم الشرائية، والحد الحكومي من النفقات الجارية، والمساعدات الدولية التي تعفي الحكومة من استيراد الكثير من الحاجات الاستهلاكية. ورغم هذا الثبات، تبدو التوقعات الاقتصادية سلبية، لا سيما بعد انتهاء الأزمة. وتوقعت «الإيكونومست» أن يبلغ الاقتصاد السوري أدنى مستوياته خلال عام 2014. قبل أن يعاود النمو «مع تأقلم المؤسسات مع جمود (ميزان الوضع) العسكري»، مضيفة أنه رغم ذلك «وحتى مع حلول عام 2018، سيكون الاقتصاد أقل حجما بنحو الثلث» مما كان عليه قبل الأزمة. ويقول أرشيد «حتى بعد انتهاء الأزمة (...) لا أعتقد أن الوضع الاقتصادي في سوريا سيكون جيدا»، مشيرا إلى أنه «قد يكون أصعب من الوضع الراهن. سوريا دخلت في نفق مظلم سيمتد إلى ما بعد نهاية الأزمة».