السعادة كلمة سحرية حيّرت الفلاسفة منذ القدم إلى الوقت الراهن، حيث لها نصيب من الجدل العلمي والنفسي عبر العصور، وبلغ مفهومها من عدم التحديد مبلغاً جعل الكل يعجز عن أن يقول في ألفاظ دقيقة ما يرغب فيه. يندرج هذا المصطلح وفهمه تحت جناح المسألة النسبية، فما يراه أي منا سعادة قد يراه الآخر بؤساً، فتعيين السعادة وتحديد معناها أمر يختلف بين فرد وآخر، وبين مجتمع وثان، وبين قيم في مرحلة تاريخية وأخرى، كل له فلسفته في معنى السعادة التي يطمح في الوصول إليها. ولكنها وفي عصر التكنولوجيا والسرعة المفرطة وهستريا الإشباع لم تعد تتحرك ضمن نظام الغايات بل ضمن نظام الوسائل، فهي إن امتلكها الفرد تحقق له البهجة والشعور بالمساواة في الاستهلاك وبالرفاه ورغد العيش. لذلك لجأ منظرو العولمة ورجال الاقتصاد إلى جعل السعادة قابلة للقياس والعد، وإن أحد شروطها هو إشباع كل الرغبات الطبيعية والضرورية وحتى الكمالية منها، وهكذا تكون فكرة السعادة في إطار المجتمع المعاصر، المجتمع الاستهلاكي الذي يبعد الفرد عن جوهره ودمجه في اقتصاد وسياسة تقوم على المردودية وهو ما يستدعي الحياة المبتورة. وقال عالم الاجتماع الأميركي والكاتب فيليب سلاتر عن الثقافة الاستهلاكية السائدة في العالم المعاصر، وبلغة رجال الاقتصاد: «اقتصادنا قائم على إنفاق المليارات لإقناع الناس أن السعادة تتمثل في شراء الأشياء». لقد قامت الشركات العملاقة اللعب على الرغبات لخلق نمط أحادي البعد من السعادة قائم على الاستهلاك، واستغلال الرغبات أو تشكيلها بطريقة محددة تسمح بتسويق أي فكرة عن السعادة مهما تكن مزيفة، إلى أن غدا كائناً بشرياً استهلاكياً بامتياز، يبحث عن الإشباع بلا كلل ولا ملل, أملاً في تحقيق سعادة لا يدرك كنهها. لقد زُجَّ بالسعادة في متاهات السوق، وحسابات الربح والخسارة، وباتت خاضعة لقوانين العرض والطلب. وأصبح درب السعادة في عصر الاستهلاك المادي يمر عبر تحصيل المزيد من البضائع، وتعويدهم على إشباع إدمانهم حتى لو لم يريدوا أو يحتاجوا لتلك السلع، ولكنهم سيسعون لاقتنائها بدافع من حاجات زائفة ليتحول السعي وراء تحقيق تلك السعادة المحمّلة مع البضائع الاستهلاكية إلى شقاء. أصبحت الإغراءات التي يفرضها العالم لا نهاية لها، مما أصبح من الصعب تحقيق السعادة حتى بالمعنى المادي نظرا لأن المجتمع الرأسمالي قد نجح في مخادعة الفرد وابقائه تحت وهم مطاردة السعادة من دون بلوغها و كيف له أن يبلغها والرأسماليون يعملون دون كلل على خلق حاجيات جديدة وكلما أرضى الفرد حاجة من حاجيات الاستهلاك إلا وخلقوا له حاجيات أخرى فصارت السعادة المحشوة في العقول تقدَّم مخلوطة مع لهاث دائم خلف حيازة بضائع مادية لا تحصى. لتظل السعادة في عالم العولمة مجردة طريدة وهمية يلاحقها الشخص وكلما اقترب منها ابتعدت عنه أصبح الكثير يعتقد أن السعادة مفقودة نتيجة الظروف المحيطة، لكن الحقيقة، أن سر السعادة لا يتم في السعي إلى المزيد أو من الآخرين، وهي ليست مطلباً عقليا أو غاية يمكن إدراكها, لإنها شعور ينبع من داخل النفس. ومن تنمية القدرة على التمتع بالأقل. وعدم مقارنة النفس بالآخرين والنظر لما بين الأيدي ومعرفة قيمته جيدا، والرضا النفسي الداخلي. فالوصول للسعادة باطني يكمن في السلام الداخلي الذي يدفع للعمل إلى تطوير الذات والنجاح المستمر، مع مصارحة الذات ومعرفة الإمكانات الحقيقية للنفس، والعيش من هذا المنطلق في رضا. فالسعادة خيار بين يدي الفرد وليست حظاً ما يعني ان حالة الانسان النفسية لها جزئية أساسية في بناء صرح الثقافة الذاتية بمواد تعتمد على قناعة العيش في ظل المغريات الدنيوية التي تفرض نفسها. * كاتبة كويتية Suhaila.g.h@hotmail.com suhaila.g.h suhailagh1