بعد خمسة أيام من الانعقاد، انتهى أخيراً مؤتمر حركة «فتح» السابع. خلال المؤتمر، تغيرت أجندة الإعلام الفلسطيني عموماً، وإن كانت الأجندة الخاصة «بالإعلام العمومي» (اسماً وهو في جوهره رسمياً وحزبياً ضيقاً)، استمراراً لما هو سائد مع إضافات «نوعية»، حيث غصّت الشاشة بالطيف الفتحاوي طوال أيام المؤتمر بطريقة غير معهودة، وارتفعت وتيرة الحماسة والعاطفة في ما قُدم من برامج ليشكّل سيلاً من «انفعال إعلامي» لم نعهده في تغطية أحداث سياسية. الشاشات عادةً، تقدم ما يعرف بالتغطية الإعلامية لحدث ما، وإن امتاز بكونه على درجة عالية من الأهمية تتقدم خطوة لأمام، فتقدم للجمهور معالجات إعلامية تغوض في الحدث عميقاً وتشبعه تحليلاً مبنياً على الحجة والمنطق والمعلومة والتجربة، وهو أمر يقوم به أهل الاختصاص والأهلية من محللين وخبراء. لكننا في أداء شاشة «فضائية فلسطين»، نحن إزاء مفهوم جديد يتجاوز ذلك كله، فما شاهدناه عبّر عن أزمة حقيقية، إذ تابعنا انفعالاً إعلامياً يستحق أن يدرس، وهو ما يراه بعضهم انعكاساً لحال المؤتمر ذاته الذي أشبع تندراً بفعل التصفيق الحار والمتكرر والوقفات الاستثنائية والحالة الاحتفالية التي سادت أيامه الخمسة. وبدل أن تقدم الشاشة تبريداً لهذا الانفعال، انساقت معه وكررته على لسان مجموعة من المحللين السياسيين هم أعضاء في الحركة ذاتها، فظهروا «ملكيين» أكثر من قادة حركة «فتح» أنفسهم، فتباروا في إبراز الإنجازات وتعظيمها وتضخيمها بطريقة استثنائية. الفضائية لم تقدم تغطية منحازة، كما هي العادة، لكنها بالغت في كل شيء من المديح والتطبيل والتهليل والتزمير، حضر الضيوف «من أهل الدار» كما يقال، كانت الشاشة لأصحاب «العرس الوطني» وغابت الأصوات التي يفترض بها الحضور لتقدم توازناً لما غاب عن المؤتمر والمؤتمرين. الموجات المفتوحة التي قدمتها الفضائية أعادتنا الى مفاهيم إعلامية ولّت، أي الإعلام التعبوي، حتى بين المقدمين/ المذيعين، إذ بدوا منخرطين تماماً من دون أي حاجز أو مساحة تفصلهم عن الحدث. من خططوا لسلوك كهذا لم يضعوا في حساباتهم الأيام المقبلة، فمن أخذته الحماسة بهذا الانفعال العاطفي ممن يؤيد الحركة ستتضاعف توقعاته وستزداد تطلعاته وآماله التي لا يوجد ما يدعمها حقيقة من وقائع أو معطيات. أما قسم الجمهور الثاني الذي يعرف ويعي الحقائق بعيداً من الشعارات البراقة، فإنه سيتضاعف عنده الفصام بين الخطاب السياسي الفلسطيني والواقع الميداني، وفي الحالين خسرنا الفهم والإعلام والتوازن بين الأحلام وفرص تحقيقها. الآن، إما أن نحول الوعود والتحليلات الخارقة الى وقائع كما قدمتها الشاشة الفلسطينية الأولى، أو علينا الاعتراف بأن هذه التغطية المنفعلة والمنفلتة من عقال المنطق لا تخدم فلسطين ولا حتى أبناء «فتح» ذاتهم.