سجينان > كان سيباستيان باري يمر في ظروف شخصية صعبة حين بدأ يكتب روايته السابعة. أحس أنه تحرر من سجن أسلوبه المعتاد، وتبنى لغة انطباعية أشعرته بدفق وإثارة أضاء دماغه معهما. تناول سابقاً هجرة أفراد من أسرة مكنالتي من سلايغو، غرب إرلندا، إلى أميركا، وفي «أيام بلا نهاية» الصادرة عن دار فيبر يسترجع توماس مكنالتي حياته قبل نصف قرن، ويعجب كيف مرّت الأعوام. هاجر إثر مجاعة البطاطا في 1845، ونجا من «السفن التوابيت» التي نقلت المهاجرين إلى كندا. تطفو جثتا والدته وشقيقته من حين إلى آخر، لكن توماس ينظر دائماً إلى أمام، ويتكتّم على ماضيه. استوحى باري قصص والدته الممثلة جون أوهارا حول الأسرة التي ضمّت شاباً اسمه توماس قال جدّه إنه قاتل الهنود الحمر. والد جدّه توماس دَن كان رئيس الشرطة في دبلن، واعتبر خائناً لأنه خدم التاج البريطاني. بطل الرواية مثلي يعيش مع رجل في أواسط القرن التاسع عشر، ويتذكّر باري كيف دخل ابنه توبي غرفة نوم والديه حين كان في السادسة عشرة ليخبرهما أنه مثلي. الحمد لله، قال الأب، أن ابنه يستطيع الآن العيش في زمن يقبل ميوله التي اعتبرت جريمة في الماضي. تبدأ «أيام بلا نهاية» بتوماس وصديقه جون كول يرقصان على المسرح بثياب نسائية. التقيا طفلين في ميزوري، وقال الأميركي إن والدة جدّته كانت من السكان الأصليين الذين طردوا من الشرق. جاعا، ولبّيا فوراً إعلاناً على باب حانة في داغسفيل يطلب فتياناً يتحلّون بالنظافة. ابتعدت النساء عن بلدة المغامرين وعمال المنجم، وفرضت ضرورة الترفيه الاستعانة بالفتيان. يرتاح توماس، سجين جسده، لملابس النساء، وحين تبدو إشارات الرجولة في السابعة عشرة على المراهقين ينتهي عملهما في الحانة. ينخرطان في الجيش ويتبعان «طريق أوريغون» على جوادين طوال أسابيع. يخوضان حرباً شرسة ضد قبيلة «سو» بزعامة «أمسك حصانه أولاً»، ويقبضان دولارين عن كل رأس يسلخانه. ترتكب فرقتهما جرائم حرب، ويعجب توماس كيف شاهد الجنود الذبح ولم يجفلوا «لأن الواحد منا كان نكرة أصلاً. لذا لا يتكلم أحد. لأننا اعتُبِرنا بلا قيمة (...) هذا التفكير يحرق دماغك بعض الوقت. لا شيء غير حثالة». خلال الرد الوحشي على غارة للهنود قاتلوا في «رغوة من الأسى الغريب، ولكن أيضاً الانتقام التام، الشرس (و) العدم الكامل». يرى الأميركيين يمارسون العنف والتجويع اللذين فرضهما الإنكليز على فقراء بلاده، ويجد نفسه في حال تناقضه. يفرض ولاؤه لرفاقه الجنود رجولة تعارض أنثويته، لكنه يكسب وجون طفلة هندية يتبنيانها، ويعيشون معاً بعدما ارتدى توماس فستاناً ودعا نفسه توماسينا ليتمكنا من الزواج. تبدو أميركا قبل الحرب الأهلية طموحة رافضة للقانون، وكسيرة مسكونة بالأهوال بعدها. يمزج باري العادي والرؤيوي للقبض على عبث العنف. حين يحترق ميتم تطير الشرارات وتظهر «رؤيا كاملة لنهاية العالم والموت، في تلك اللحظات عجزت عن التفكير، كان رأسي بلا دم، فارغاً، صاخباً، مذهولاً (...) انتقلنا إلى مكان آخر، لم نكن هناك، كنا أشباحاً». يأسر متمردون جنوبيون توماس الذي يواجه خطر الإعدام بعد إطلاقه لفراره من الجيش. يُستبدل الحكم بالأشغال الشاقة التي لم يخشها لأنها ماثلت كفاح الرجال لإطعام عائلاتهم. يعود إلى بيته مع ختام عذاباته، ويرى دربه تلمع بجمال الغابات والحقول، وألق ولايتي ميزوري وتينيسي. نص باري أميركي وإرلندي، ولئن امتنّ الكاتب للفرص التي منحها العالم الجديد لأبناء وطنه أبدى ريبة في هويّة هؤلاء. «لا تقل لي إن الإرلندي مثال الإنسانية المتقدمة. قد يكون ملاكاً في ثياب شيطان أو شيطاناً في زي ملاك، ولكن في الحالين أنت تحدّث اثنين حين تخاطب إرلندياً». وحش لا يشيخ > نأى جون بانفيل عن أعماله، وفاجأ كثيرين بكتابة مذكراته.»الفنان، مثل الخالق، يبقى داخل عمله، خلفه وفوقه، خفياً، صقيلاً حتى الاختفاء، لامبالياً يقلّم أظافره». في «قطع من الزمن: مذكرات دبلن» الصادرة عن «هاشيت بوكس» يقول إنه زار العاصمة مرة سنوياً للاحتفال بعيد ميلاده، ثم هجر أهله بلامبالاة قاسية ليعيش فيها مع عمّته العازبة. هناك، في العمق القاتم المنقّط لمرآتها المزخرفة يبدو وجهه مثل وجه جاك السفاح. رحلت العمّة فيما كان يمضي العطلة في اليونان، لكنه اهتمّ بـ «تحرير الروح» الذي وجده في رحلاته أكثر من وفاة قريبة مسنّة. الآن، وقد بات في العمر الأخير، يطلب منها الصفح لكنه يعترف بأن «الوحش فينا يبقى شاباً الى الأبد». كان شاباً بليد الذهن، صعب الإرضاء، متفنّجاً من دون أن يملك ما يتفنّج حياله. يتذكر رحلات القطار إلى دبلن بوضوح ودهشة، لقاءه السريع ببائعة هوى واللحظات الحاسمة في تاريخ المدينة. تفجير «الجيش الإرلندي الجمهوري» عمود نلسن، وجلسات الشلّة الأدبية الكسولة في حانة ماكديد. لكن همّه الأساسي روح المدينة في جمالها، انحدارها، حدائقها وحوانيتها المبهرجة التي أصرّت الذاكرة عليها بعد إغلاقها منذ وقت طويل. في دبلن يحاول مجدداً استمالة ستيفاني البروتستانتية التي لم تبادله الحب. يصف أسرتها بتعاطف واستعلاء في آن. والدتها لافينيا التي ناداها الجميع بـ «ماغز» أحبّت شرب الجن والأدفوكات ونشرت في انتشائها جواً من الهياج. شقيقها الضخم العدواني الذي استبدلت الأسرة اسمه باسم سمكة بالغة الصغر. صديق الكاتب «سيسيرو» الذي يطلعه على الأماكن الخفية غير المطروقة مثل شارع هنرييتا الذي تدهور مذ هجره أثرياؤه. الأبنية الجورجية التي تركها الإنكليز شهادة على استعمارهم بألوانها التي تعدّت الأحمر المتعارف عليه إلى ستة ألوان تتدرّج بين الأصفر والأرجواني. بانفيل الهاجس باللون والتشبيه والمجاز يرى حجارة الأبنية تلمع في المطر مثل جسد حصان يعدو في سباق. لون فناجين الشاي كلون جذوع الشجر المغمورة قروناً في المستنقعات. الموظفات في محل كليريس سريعات وكفوءات على نحو استشهادي كأنهن راهبات علمانيات. عن انتقاله بين زمنين: «لنقل إن الحاضر هو حيث نعيش والماضي حيث نحلم. ولكن إذا كان الماضي حلماً، فإنه حقيقي. الماضي يسندنا، منطاد من الهواء الساخن مربوط ومتسع». دخان أسود > عمل روبرت هاريس صحافياً سياسياً ثم استغلّ معرفته في الكتابة الروائية عن فساد السياسة وأهلها في روما القديمة وبريطانيا المعاصرة. في «خلوة» الصادرة عن دار هتشنسن ينتقل إلى الفاتيكان، منطقة الكاتب الأميركي دان براون، إثر رحيل البابا الإصلاحي الرافض الفخامة كالبابا الحالي فرنسيس. الراوي عميد مجمع الكرادلة لوميلي الذي يقمع طموحه لخلافة البابا، ويدعو أكثر من مئة كاردينال إلى انتخاب خلَف. ينشط المرشحون بين الكرادلة المنقسمين محافظين وليبراليين. الإيطالي التقليدي غوفريدو تِدِسكو، الكندي الفرنسي المناور جوزف ترِمْبلي الأميركي والنيجيري المحبوب جوشوا أدِييمي الذي يعادي المثليين وكهانة النساء. يبدو الخيار واضحاً إلى أن يظهر الفيليبيني فنسنت بينيتز الكاردينال المجهول الذي عيّنه البابا سراً لحمايته، وكلفه العمل في بغداد. يحرص هاريس كالعادة على البحث العميق والتفاصيل التي تشمل هزّ المبخرة. يذكر جثمان البابا بولس السادس المسجى في كنيسة سان بيتر صيف 1978 بوجهه الذي تحوّل أخضر رمادياً، وفكّيه المتهدّلين والرائحة النتنة التي بدأت تنبعث منه. تدور الرواية في اثنين وسبعين ساعة فقط في كنيسة سستين حيث يجري الاقتراع، وتنتهي بصدمة تجعلها النسخة الكاثوليكية لـ «الآيات الشيطانية» وفق «نيويورك تايمز». يكتشف الكاردينال لوميلي أن البابا الراحل أوقف ترِمْبلي عن العمل يوم وفاته بعد التحري عنه. يبدأ لوميلي التقصّي ويكتشف حصول رشاوى وعلاقات جنسية. ترد خلال الخلوة أنباء عن هجوم انتحاري مسلم في ساحة قرب الفاتيكان ومجزرة في قداس، وتتغيّر النتيجة مع كل دورة اقتراع.