حقق المؤلف والمخرج المسرحي الفرنسي الجزائري الأصل أحمد مدني نجاحاً باهراً في العام ٢٠١٢ مع المسرحية التي كتبها وأخرجها تحت عنوان «إضاءات» وقدمت في باريس قبل أن تطوف مدناً وقرى فرنسية، وعواصم أوروبية جاذبة إليها أعداداً هائلة من المشاهدين وحاصدة نقداً إيجابياً أينما عرضت. وكانت «إضاءات» تتعرض للمشوار الذي يخوضه ثمانية شبان ينتمون إلى أصل عربي ويقيمون في فرنسا حيث تتأرجح حياتهم بين الطموح وخيبة الأمل بسبب العنصرية التي يواجهونها على رغم أن العدد الأكبر بينهم، ولد أو على الأقل كبر في فرنسا. واختار أحمد مدني للمشاركة في عمله الفني ثمانية ممثلين هواة ودفع بهم إلى التدخل في نص المسرحية من طريق تغذيته بتجاربهم الشخصية في ما يتعلق بهويتهم ونضالهم اليومي لفرض أنفسهم في إطار مجتمع لا يرحب دائماً بأولاده طالما أنهم ينتمون إلى أصول أجنبية. واستناداً إلى النجاح الذي لاقته مسرحية «إضاءات»، قرر مدني تأليف نص مكمل لها في شكل حكايات تمس عشر فتيات مغتربات أو منتميات إلى عائلات أتين من العالم العربي للإقامة في فرنسا. اختار ممثلات هاويات ودفع بهن إلى التدخل في كتابة النص إلى جواره بحيث تتضمن المسرحية العدد الأكبر من الحقائق في شأن حياة تلك الشابات. والشيء الجديد هو إدخال عنصر الاستعراض الراقص في إطار العرض غير التمثيل الصامت الذي يحتل مكانة لا بأس بها في العديد من المشاهد، الأمر الدال على كون الهاويات المعنيات قد تدربن في أسلوب شبه محترف على الأداء، خصوصاً أن النتيجة مثلما شهدها الجمهور الباريسي فوق خشبة مسرح «ميزون دي ميتالو» بالدائرة الحادية عشرة، لا تقل جودة أو دقة عن أي عرض فني تقدمه فرقة من المحترفين. وتحمل المسرحية اسم «شعلات» استناداً إلى ما ترمز إليه الفتيات إياهن، علماً أن كل واحدة منهن تقف فوق الخشبة راوية حكاية عائلتها ومن ثم مشيرة إلى مشوارها الشخصي في فرنسا وطموحها المهني والشخصي والعقبات التي لا بد للشابة منهن أن تسعى إلى إزالتها من طريقها لتحقق حياة كريمة. ويلاقي العرض رواجاً ملموساً وهو سيطوف الريف الفرنسي والعديد من المدن الأوروبية إثر الانتهاء من تقديمه في باريس. أستراليا ومدغشقر وأحمد مدني ليس بمبتدئ في ميدان المسرح، بل عمل طويلاً كمدير للمسرح الفرنسي الوطني في جزيرة ريونيون حيث رفع من مستواه داعياً إليه أكبر عمالقة المسرح الفرنسي والأوروبي لتقديم أعمالهم، وأسس رابطة فنية جمعت بين عدة دول منتمية إلى المحيط الهندي وبينها كل من أستراليا ومدغشقر. وأسس مدني فور عودته إلى باريس عام ٢٠٠٨، فرقته المسرحية مقدماً عروضاً متتالية ودورية، ومن أبرزها «أسير في الليل فوق طريق سيّئ»، وهي مسرحية نالت قسطها من النجاح عام ٢٠١٤ فوق خشبة مسرح «لا تمبيت كارتوشريه» الباريسي العريق الذي تديره الفنانة أريان منوشكين.