وجد الناشطون والمقاتلون المعارضون في مدينة حمص، والذين كانوا في طليعة المحتجين ضد النظام السوري، انفسهم يدافعون عن احياء مهجورة ومدمرة وجائعة، الا انهم يتمسكون بها خشية ان يؤدي تخليهم عنها، الى خسارتهم كامل المعركة، بحسب تقرير أعدته وكالة "فرانس برس". واعتبرت حمص "عاصمة الثورة" ضد الرئيس بشار الاسد، وكانت منذ منتصف آذار (مارس) 2011، مسرحاً للتظاهرات السلمية والاعتصامات التي طبعت الاشهر الاولى من الاحتجاجات ضد النظام. إلا ان هذا الاخير تعامل مع الحراك بطريقة صارمة، فأوقف آلاف المحتجين، واطلق النار على التظاهرات. وبعد اشهر، تحولت الاحتجاجات السلمية الى نزاع دام، وقصفت القوات النظامية احياء معارضة لمدة اسابيع واحيانا اشهر من دون توقف. وبقيت احياء في وسط المدينة تحت سيطرة مقاتلي المعارضة، الا انها تخضع منذ عشرين شهراً لحصار خانق. ويخشى هؤلاء ان يدفعهم الحصار، وتقدم النظام في مناطق اخرى، الى الخروج من مدينتهم. ويقول ثائر، وهو ناشط معارض يبلغ من العمر 25 عاماً، ان "الخوف حاليا هو من ان يسيطر النظام على ما تبقى من احياء حمص المحاصرة". ويضيف هذا الشاب الذي عمل بائعا للمجوهرات في حي الخالدية الذي استعادته القوات النظامية بعد حملة عسكرية شرسة: "اذا حصل ذلك، ستنتهي الثورة، وسنطرد من بالنا فكرة ان يعود اهلنا وسكان هذه الاحياء"، قائلاً انه في حال حصول ذلك "سيتمكن النظام بسهولة من ان يسيطر على ما تبقى من سورية". وبات وسط حمص والاحياء المحيطة به، اشبه بمدينة اشباح مدمرة بشكل كامل، اذ يغطي الركام الشوارع، ويخفي خلفه منازل فارغة. الا ان المعارضين ما زالوا يتشبثون بهذا المكان الذي يحمل رمزية عالية، وهم مصممون على الا يسمحوا للنظام بان يحقق فيه مكسبا يستثمره اعلاميا. ويقول الشيخ ابو الحارث ان "الثوار لا يدافعون عن حجارة بقدر ما يدافعون عن رمزية حمص كعاصمة للثورة". وحتى شهر خلا، بقيت هذه الاحياء من دون اي غذاء او دواء منذ حزيران (يونيو) 2012، ما دفع السكان الى الاقتتات من الاعشاب. وعلى مدى اسبوع في شباط (فبراير) الماضي، أشرفت الامم المتحدة على ادخال مساعدات غذائية وخروج نحو 1400 مدني محاصر. الا ان قرابة 1500 شخص ما زالوا محاصرين، ويواجهون خيارين: اما البقاء والمعاناة، او مغادرة الاحياء التي دافعوا عنها في احلك الظروف. ويقول ثائر ان ثمة "ما يقارب مئة جريح داخل احياء حمص، في حاجة ماسة للعناية الصحية". كما يواجه مقاتلو المعارضة خيارات صعبة، بعدما رأوا اللحمة التي جمعتهم في الايام الاولى للنزاع تتفتت، اذ اختارت بعض المجموعات تلقي أوامرها من اشخاص خارج المدينة، في حين استغلت مجموعات اخرى الفوضى لتحقيق مكاسب ذاتية. ويبدو ضياء ابو جهاد الذي كان يعمل في مجال الكهرباء قبل ان يحمل سلاحا، ضائعا بين خيارين صعبين. ويقول الشاب البالغ من العمر 24 عاما: "اذا بقيت على الجبهة كون احمي تجار الثورات. واذا تركتها، اكون خائنا لرفاقي الذين استشهدوا ولم يسمحوا للجيش ان يدخل ويحتل حمص كلها". وأدى النزاع السوري الى مقتل اكثر من 140 الف شخص. ويستعيد الناشطون ذكريات بداية الاحتجاجات ضد النظام، كفترة حراك عفوي سلمي قاده شبان بوحي من حركات "الربيع العربي"، ونزلوا الى الشوارع للمطالبة بانهاء النظام الذي يحكم سورية منذ اكثر من 40 عاما. كما يستذكرون الحملة العنيفة التي شنتها القوات النظامية ضد حي بابا عمرو في شباط (فبراير) 2012، والتي ادت الى مقتل المئات، وساهمت الى درجة كبيرة في عسكرة النزاع. ويبدي عدد من الناشطين تفهما للاسباب التي دفعت كثيرين الى حمل السلاح ضد النظام، والتحول الى مقاتلين يدافعون عن احيائهم ومنازلهم، الا انهم يسجلون ملاحظات على تصرفات بعض هؤلاء. ويقول الناشط يزن (29 عاما) ان "ما اعرفه بأنه ثائر، يخرج من منزله ويقاتل ويضرب العدو ويعود نهاية الليل الى اهله ليرى امه، يتناول الطعام، ثم يهرب مجددا عبر سطح المنزل قبل بزوغ الفجر"، مضيفاً ان "ما حصل هو العكس"، ومشيراً الى ان عددا من الشبان حولوا الاحياء التي كانوا يقيمون فيها، الى ساحة حرب. واستفاد اشخاص سيئو الصيت من هذا الوضع لتحقيق مكاسب ذاتية. ويقول يزن: "من يعرف بأنه ازعر، بات قائدا مدعوما من مجموعة مسلحة". وارغم القتال عشرات الآلاف من عائلات حمص على مغادرتها، وباتوا جزءا من ملايين السوريين الذين لجأوا الى الدول المجاورة، او باتوا نازحين في مناطق اخرى من سورية. ويقول الناشط ابو فهمي، المتطوع في احد المستشفيات الميدانية، ان ثمة حديث عن التوصل الى "مصالحة" ما في حمص، على غرار تلك التي عقدت في الاسابيع الماضية بين النظام ومقاتلي المعارضة قرب دمشق، مشيرا الى ان "اي نتيجة ملموسة" لم تتحقق بعد. ويبدي يزن خيبته من ان احدا لم ينجد أحياء حمص المحاصرة من المأساة التي تعيشها. ويقول: "كنا نعتقد ان الناس لن يتركونا لنموت هنا". حمصسوريةالثورة السوريةالازمة السورية