فاطمة عطفة (أبوظبي) فن البرقع بطرازه الإماراتي الأصيل، كان، ولأول مرة في العالم، موضوع أطروحة في جامعة «كنغستون» في بريطانيا من خلال البحث الذي أعدته الفنانة الإماراتية كريمة الشوملي لنيل الدكتوراه من الجامعة. وأهمية هذا الإنجاز الثقافي والفني المتميز ستظهر في المستقبل، بعد أن يصبح هذا الزي أيقونة من تراث الإمارات العريق. «الاتحاد» التقت الشوملي للحديث حول هذا الإنجاز التشكيلي والعلمي الجديد الذي يضاف إلى مسيرتها الإبداعية، وكان هذا الحوار. تقول الفنانة كريمة الشوملي: «استوحيت كثيرا من الأعمال التراثية، ولم يعجبني شيء مثل «البرقع»، والكيفية التي تتعامل بها المرأة معه، فضلا عن الرمزية التي يمثلها البرقع، فهو يلامس وجهها ويضفي عليه جمالا، كما يعبر عن جانب من هويتها الاجتماعية. وكشف لي البحث عن حكايات شعبية كثيرة ودلالات جميلة تدخل في عالم (الحريم)، فالبرقع يعني في المفهوم الشعبي وموروثاته الحشمة والستر، كما أنه يحجب وجه المرأة عن عيون الغرباء ويحميه من الظروف المناخية. من هنا كان اختياري للبرقع لكي يكون موضوعاً لرسالة الدكتوراه قبل أن يندثر ضمن تيار الحياة العصرية والثقافات المتعددة التي تعيش في مجتمع الإمارات. وتابعت الشوملي قائلة: «بعد أن وصلت إلى لندن للتحضير للأطروحة، فكرت كثيرا كيف يمكن لي أن أجسد هذه الفكرة أو الكلمة:البرقع، إلى أن وقعت عيناي، في طريقي إلى المتحف البريطاني، على هذه الكلمات المكتوبة (يا داوود، يا داوود، يا داوود) كنوع من الترجي والرغبة، ومنها استوحيت كلمة (نور). وأنجزت اللوح، ليس على الكانفاس كما كنت أفكر، بل على قماش البرقع نفسه. كنت أمام تحد كبير؛ لأن قماش البرقع أملس وحساس جدا للجو، فكيف أتعامل مع هذه المادة؟ أجريت بعض التجارب اليدوية، ثم حاولت أن أدخل الليزر بحيث يزيل اللمعة عن القماش، لتظهر كلمة (نور، نور، نور) التي تعكس المعتقد الشعبي المحلي الذي يفيد بأن مادة النيل (الأزرق) المشبع بها قماش البرقع فيها شيء من نور سيدنا (يوسف)، وأن هذه المادة الزرقاء التي تطبع على وجه المرأة من جراء ارتداء البرقع تحيل إلى ذلك النور وجماله. لذلك أخذت كلمة (نور) كرمز لتعكس هذا المعتقد». لم تكتفِ الفنانة الشوملي بهذه المحاولة الناجحة بل اشتغلت أكثر، وفي تجربتها الثانية، وضعت نفسها مكان العروس التي تلبس البرقع، لكي تحس بإحساسها نفسه، عندما يدهن وجهها وجسمها كله بالنيل الأزرق، تقول: «جهزت نفسي لعمل أول فيلم مصور، ركزت المرآة ولبست ملابس بيضاء بالكامل، وجلست في بيت قديم لتكون الصورة جزءا من الفيلم. وقد ساعدتني جامعة الشارقة في هذا العمل الذي حضرته خلال مدة البحث. أخذت الصبغة التي كان القماش قد تشربها، وبدأت بالرسم عليها وكأني أرسم وجهي. شعرت بنوع من الحميمية بيني وبين البرقع، وبنفس الوقت كنت أدرس حالتي الخارجية وحالتي الداخلية، رغم أن الفيلم لا يعطيك الوقت الكافي، كان هذا واحدا من الأفلام التي عملت عليها». وتمضي كريمة الشوملي في تجاربها التي أوضحتها قائلة: «تساءلت هل يتغير لون البراقع إذا رميتها في البحر؟ رميت بعض البراقع في البحر، لكنني خرجت بانطباع أن عليَّ إعادة التجربة بطريقة ثانية. عملت الفيلم الفني (النيل)، أخذت حوض سمك وسكبت فيه ماء صافيا، ثم وضعت البراقع فيها فصبغت الماء بهدوء، عندها، شعرت أن جريان صبغة النيل في الماء يرمز إلى اختفاء عادة ارتداء البرقع في الزمن الحديث، وأن البرقع خاص بالمجتمع الإماراتي وأن صناعة بدأت تندثر وفي طريقها للتلاشي». ... المزيد