القاهرة: ياسين محمد ظل إبراهيم وارث مستيقظاً أمام واجهة زجاجية لبيع المأكولات البحرية، حتى شروق الشمس، في انتظار أحد زبائنه المفضلين، الذي هاتفه قبل الفجر يخبره بأنه سيصل السويس في مهمة عمل، ويرغب في تناول وجبة من محار البحر المعد بطريقة خاصة، لا يتقنها في مدينة السويس سوى آل وارث. وتشتهر مدينة السويس بالأطباق البحرية، فوجودها الجغرافي على رأس خليج السويس والبحر الأحمر، والمدخل الجنوبي لقناة السويس، يجعلها أفضل المقاصد لتناول الوجبات البحرية والأسماك الطازجة، لكن تظل طريقة طهي المحار هي أحد أسرار المدينة التي تتوارثها العائلات. يعمل إبراهيم وارث، 65 عاماً، في طهي المحار منذ ما يقرب من 50 عاماً، عندما بدأ العمل مع أخواله وعمره 15 عاماً، وكانت مهمته وقتها تنظيف المحار قبل طهيه بالشيّ أو السلق . يقول إبراهيم : للسويس شهرة في طهي الأسماك، وهي شهرة تشترك فيها مع مدينتي بورسعيد والإسكندرية، لكنها تتفوق في طهي المحار جميع كل المدن الساحلية، فلا توجد مدينة بها تنوع في طهي أنواع صدف المحار مثل السويس. يعرض وارث على واجهة فاترينته أصداف كبيرة بيضاء، يقول إنها عولجت لتنظيفها من الحشف الملتصق بها في قاع البحر، ويمكن استخدامها للديكور بعد أكل لحمها، ويضيف: لدينا أكثر من 10 أنواع من المحار للأكل، لكن أشهرها الأسترديا والسرومباء. أما سر الصنعة فيكمن في نِسَب توزيع التوابل والمقبلات على المحار ، إضافة إلى طريقة شيّها أو سلقها . بلغ إنتاج صيادي البحر الأحمر من المحار 26 طناً في العام 2014 ، بحسب تقرير إحصائي للهيئة العامة للثروة السمكية بمصر، وهو رقم منخفض مقارنة بأكثر الأعوام إنتاجاً وهو 2007، حيث بلغ الإنتاج 232 طناً . يعلق وارث: نعاني أحياناً من فترات توقف صيد المحار ، الذي نضطر إلى الغوص لصيده في أماكن بعيدة وعلى أعماق تصل إلى نحو 20 متراً، لكن أكثر أنواع المحار انتشاراً يصاد على عمق 5 أمتار، وفي فترات المد والجزر. يتم اصطياد المحار من قيعان البحر بواسطة الغواصين الذين يستخدمون قفازات سميكة تجنباً للإصابة بحروح . وإذا واتتك الفرصة للتنزه على كورنيش خليج السويس ، ستشاهد الصيادين على الشاطئ ينقلون المحار على الصخور وبين الرمال. ويُعد المحار طعاماً مثالياً للعشاء بشكل خاص، بسبب غناه بعنصر الزنك ، فالمعادن بشكل عام تساعد الجسم على إنتاج هرمون التستوستيرون المهم للخصوبة. كما أن تناول المأكولات البحرية يمد الجسم بالبروتينات والأحماض الأمينية وأوميجا 3، وهي مواد مهمة لتوفير الطاقة وتنظيم كيمياء المخ . وكثيراً ما يداعب إبراهيم زبائنه الذين يفاجأون بأنه تجاوز الخامسة والستين، مشيراً إلى بشرته الخالية من التجاعيد، وقائلاً إن تناول المأكولات البحرية يبقيك شاباً. انتشار باعة المحار المجفف على أرصفة الشوارع في مدينة السويس، مشهد مألوف غير مستغرب، كون المدينة يسكنها أكبر عدد من صيادي البحر الأحمر وخليج السويس. عيسى عبد الحفيظ، 53 عاماً، بائع للمحار المجفف، يقف على ناصية شارع رئيسي بالمدينة ليبيع المحار، حيث يبدأ تجهيز عرضه للمحار المجفف قبل غروب الشمس . يقول: شهرتنا ببيع الأسرومباء (السرومباء) وصلت إلى خارج مصر، وكثيراً ما يأتيني زبائن لشرائه كهدايا لأصدقائهم في الخارج. ويشير عبد الحفيظ إلى ارتفاع سعر المحار المجفف، بسبب ارتفاع تكاليف الصيد واتجاه الصيادين إلى أماكن بعيدة للصيد، بعضها يقع قريباً من سواحل السودان، ما كان سبباً في ارتفاع قيمة المحارة الواحدة من 3 جنيهات قبل 5 سنوات إلى 12 جنيهاً حالياً. يشرح عبد الحفيظ طريقة أكل المحار المجفف الذي يبدو صلباً وقت بيعه، وذلك بغليه قليلاً أو تركه في ماء بارد، ليعود إلى طراوته، ويترك للزبون الحرية في طريقة التتبيل، لكنه ينصح بإضافة كمية مناسبة من الشطة. المحار المجفف المعروف باسم الأسرومباء مشهور في السويس ويباع جافاً، ويمكن تناوله بتركه يذوب في الفم للاستمتاع بطعم البحر، لكن محار البحر الطري الأسترديا له في السويس قصة أخرى. وسط صف طويل من متاجر بيع الأحذية والملابس المستوردة، ما زال عبد الرحمن يحتفظ بمكان فاترينة صغيرة يجهز فيها الأسترديا، ويدعو زبائنه للأكل على طاولات منتشرة بالقرب من سور حديقة صغيرة. قبل أن تبدأ في تناول المحار، عليك أن تطلب أن يقشر أمامك لا أن يكون مقشراً من قبل، لأنك إذا تناولت المحار بمجرد تقشيره وفي غضون 5 دقائق، تكون بذلك حصلت على وجبة من المحار الطازج واللذيذ، وتكون رائحته شهية تشبه رائحة البحر، خصوصاً مع النسمات الباردة التي تشعر بها وأنت تقف على الشاطئ. يقول عبد الرحمن وهو يفتح صدفات المحار بعد شيّها : المحار يجهز بطريقتين إمّا الشيّ والصدف مغلق ، أو السلق في إناء كبير، ونبدأ التجهيز بفتح الصدف لإخراج لحم المحار أمام الزبون؛ لأنه إذا بقي طويلاً خارج الصدف يتغير طعمه. ويخبرنا عبد الرحمن بأحد أسرار إعداد المحار للأكل، قائلاً إن السر هو طريقة عرضه وكميات التوابل. يعرض على أحد زبائنه تناول قطعة محار دون إضافات، ليعتاد طعم البحر النقي، وحتى يتعلم تمييز طعم المحار الجيد. يقول: سر الطعم في كمية التوابل وخلطة خاصة بأهل السويس، يمزج فيها الملح والفلفل الأسود والشطة، ويفضل إضافة فلفل أخضر حار للحصول على طعم قوي . يقيم عبد الرحمن ما يسميه معرضاً لما يمكن فعله بصدف المحار، فيعرض أشكال الصدف بعد تنظيفه واستخدامه كمنفضة للسجائر أو ديكور في المكاتب.