لم تكن الممثلة المغربية نجاة بنسالم تدري وهي تتلّقى دعوة الحضور في الدورة الحالية لمهرجان مراكش الدولي للفيلم، أنها ستتحوّل بدايةً إلى موضوع للسخرية بسبب لباسها البسيط، ثم بعد ذلك إلى أيقونة للفنانة المكافحة، بعدما تعرّف المغاربة على قصتها، وكيف تبيع السجائر والخضر رفقة زوجها لإيجاد لقمة العيش، وهي الحاصلة على جائزتي أحسن ممثلة. في اتصال مع CNN بالعربية، أعادت نجاة بنسالم، بنت المدينة القديمة، تشكيل قصتها منذ البداية، فقد دخلت إلى مجال السينما إثر مشاركتها في كاستينغ عام 2003 عندما اقتنع المخرج الفرنسي جاد دويلون بموهبتها ومنحها الدور الرئيسي في فيلم "رجاء"، ممّا مكنها من الفوز بجائزة أحسن ممثلة بمهرجان مراكش الدولي للفيلم، ومهرجان البندقية، الذي كانت فيه أول عربية تتوج بهذا اللقب. كانت نجاة تمني النفس أن يفتح لها تتويجها أبواب السينما على مصراعيها، إلّا أن لم تستطع إيجاد أيّ دور رغم كل محاولاتها المتكررة، إلى أن التقت بالمخرج عبد الإله الجواهري الذي قرّر إخراج فيلم وثائقي يدور حولها تحت عنوان "نجاة بنت الملاح". جرى تصوير هذا العمل الوثائقي منذ 2006 إلى 2014، وطوال هذه المدة، كان الجواهري، يلتقط مشاهد واقعية تبيّن منع رجال الأمن لنجاة من الولوج إلى المهرجان الذي توجت ذات يوم بإحدى جوائزه. بعد صدور الفيلم الوثائقي، كانت تلك المشاهد سببًا في تلّقي نجاة لدعوة لأجل الحضور، وهو ما جرى هذا العام. انتظرت نجاة من عودتها إلى المهرجان فرصة أخرى لتجديد اللقاء والبحث عن آفاق جديدة في الميدان الذي تحبه، لذلك ارتدت قفطانها الخاص، وارتدت معه سروالا حتى يخفي كسرًا تعاني منه على مستوى الساق، إلى جانب "شربيل" مغربي، إلّا أن الصور الملتقطة لها حوّلتها إلى أيقونة سخرية من طرف من رأوا أن اللباس لم يكن مناسبًا أبدًا لهذا الحدث. "صُدمت كثيرًا في حياتي، فبعد مرارة تخلّي الغالبية عني بعد فيلمي الأول، أتت هذه السخرية لتزيد من ألمي. كم بكيت وأنا أقرأ التعليقات المستهزئة. للأسف يركز الناس كثيرًا على المظاهر وينسون المهم" تقول نجاة، متابعة أنه بعد نشر وسائل الإعلام لقصتها، عاد لها القليل من الاعتبار، خاصة بعد الاحتفاء الكبير بها، والمبادرة التي قامت بها المحطة الخاصة راديو بلوس. "بكيت من شدة الفرح وأنا أرى نفسي بهذا اللباس الجميل وهذا الماكياج الباهر. لم أُقم حفلة زفاف عندما تزوجت بسبب الفقر، لذلك أحسست نفسي عروسًا وأنا أتلقى هذا الاهتمام"، تقول نجاة التي تحدثت لنا عن حياتها الشخصية: " عملي الأساسي هو شراء الخضر للزبناء، حيث أوفر عليهم تعب التنقل بين التجار، وأتلقى عمولة عن كل شراء، زيادة على بيعي للسجائر في السوق". مبادرة راديو بلوس، تجلت في استقبال نجاة ببرنامج "بوز كاربت" المخصص لتتبع فعاليات المهرجان، والتنسيق مع مصممة أزياء وخبير ماكياج، لأجل التكفل بمظهر ولباس الفنانة فيما تبقى من أيام المهرجان. تقول بهية بنخار السكراتي، نائبة مدير راديو بلوس، إنها لم تكن تعلم في البداية قصة نجاة، ولم تتعرّف عليها إلّا إثر الضجة التي رافقت لباسها، متحدثة عن أنها، وفورَ علمها بالقصة، اتصلت بفريق عمل البرنامج، لأجل استقبال نجاة. وبعد موافقة الممثلة على الحضور، فكر الطاقم في مبادرة أكبر. "اتصلنا بالمصممة صوفيا الحرايشي التي تحمست للفكرة وقبلت التكفل بملابس نجاة مجانًا، كما تطوع خبير ماكياج لتجميل الممثلة، ولا أخفيك كم كنا سعداء ونحن نرى نجاة تبكي من الفرحة، بعد الإهانة التي تعرضت لها"، تقول بهية، قبل أن تردف: "بما أن إدارة المهرجان استدعت هذه الممثلة، فلم لم ترافقها في اختيار ملابسها وتجميلها؟ لماذا تركتها لوحدها وهي تعلم أن نجاة تعاني ظروفًا اجتماعية صعبة؟". ولم تتوقف مبادرة "راديو بلوس" عند استدعاء الممثلة إلى البرنامج والتكفل بملابسها، بل يتم التفكير حاليا في مبادرة إنسانية تحفظ لها العيش الكريم، تشير بهية، لافتة إلى أن البرنامج اتصل بعدد من المخرجين المغاربة لأجل تعريفهم بنجاة، خاصة وأن هذه الأخيرة بيّنت على موهبة في الأداء. غير أن نجاة التي فرحت كثيرًا بمبادرة المحطة، تعدّ نفسها للعودة إلى حياتها العادية بعد المهرجان: "تلقيت في السابق الكثير من الوعود من طرف مخرجين ومنتجين، وفي النهاية يُنادوا عليّ" تقول نجاة، التي أكدت لنا أنها لا ترغب في تشييد أحلام كبيرة وبعد ذلك تصدم من جديد بانهيارها، رغم أن الأمل في مسيرة سينمائية مميزة لم يخبُ، ولا تزال شرارته متقدة في أعماقها.