كانت تلك الجملة عميقة وحاسمة ودقيقة.. "دولة الإمارات العربية المتحدة آمنت دائمًا بأن السعودية عمود الخيمة الخليجية والعربية، وأن أمنها واستقرارها من أمن واستقرار الإمارات وغيرها من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والدول العربية الأخرى" قالها ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بدولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وأحسبها من القول الفصل الذي يؤكد كثيرًا من المعاني في علاقات الإخوة التي تتوافر لها كثير من القواسم المشتركة التي تستعصي على التشويش أو أن تنفصم عراها مهما كانت التحديات. جاء ذلك خلال زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله- لدولة الإمارات في مستهل جولة خليجية تستهدف تعزيز العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي، وتنسيق المواقف العربية بشأن أوضاع المنطقة، خاصة ما يتعلق بشؤون دول الخليج العربي، وهي جولة تقودنا إلى فكرة محورية حول ضخ الحيوية في شرايين العلاقات الخليجية والعربية، فدول المجلس تعد قلب العالم العربي والإسلامي، وسلامها سلام لكل العرب والمسلمين، وكذلك أمنها، ومن المهم أن تظل في حالة انسجام وتوافق مستمر تتطور معه العلاقات وتتم المعالجات الضرورية لأي مشكلات طارئة بين الدول الأعضاء، وفي ذلك يأتي دور المملكة التي وصفها ولي عهد أبوظبي بعمود الخيمة الخليجية والعربية. هذه الجولة تأتي في مرحلة تاريخية بالغة الحساسية، وتبعث برسائل متعددة إلى أكثر من جهة حول حقيقة وعمق التضامن والاتفاق بين هذه الدول، وما يعنيه دور السعودية في الاضطلاع بواجباتها ومهماتها في المنطقة، فالمملكة كانت على الدوام الشقيق الأكبر لجميع الدول العربية، والأخ الأكبر لدول العالم الإسلامي، وذلك أمر ترسّخ عبر العقود منذ توحيد هذه البلاد التي كانت حاضنة لجميع أبناء الأمة، وفيها أقام ودرس وعمل المئات من قيادات دول العالم الإسلامي، ونحسبهم يحملون في قلوبهم الكثير من الود والاحترام والتقدير للمملكة وشعبها، ما يوفر رصيدًا كبيرًا لها في معالجة القضايا الشائكة والملفات المعقدة من واقع الاحترام الذي تحظى به. هذه الجولة وإن كانت خليجية إلا أنها تتمدد بنتائجها إلى جميع العرب وأمة الإسلام، فمنطقة الخليج العربي، كما ذكرنا بمنزلة القلب للأمة، ومنه يضخ الدم في الشرايين، ذلك ببساطة هو الواقع الجيوسياسي الذي لا يمكن إنكاره، وطالما قدّم خادم الحرمين الشريفين هذه المنطقة متماسكة وقوية، يحترم صغيرها كبيرها، وتتوازن تنميتها، وتستقر سياساتها، وتمضي في طريق المجد بخطط حكيمة، فذلك مؤشر لسلامة الواقع العام للأمة، لأن النتائج تمتد لكل عربي ومسلم ولا تتوقف عند المواطن الخليجي، وكلما ظهرت دول الخليج العربي بهذا المظهر القوي والمتماسك فإنه يضعف أعداءها، ويلحق بهم خيبة في تفرقتها والعبث بأمنها واستقرارها، لأنه من المهم جدًا لاستكمال صورة ذهنية سياسية لدى العالم أن نكون على ما كانت عليه زيارة الملك لأشقائه من ترحاب واندماج واحترام وانسجام في المواقف. لقد نجحت دول مجلس التعاون في مواجهة تحدياتها وعبور أزمات الاقتصاد العالمي الأخيرة بفضل الله ثم تخطيطها السليم للمواجهة، وانصرافها للتنمية وعدم انشغالها بالمؤامرات والكيد، فذلك أمر تركته لأعدائها ليقبعوا في مؤخرة السلم التنموي بين حصار وشغب على أمن العالم، وعنتريات لا تعالج فقرًا أو تبني تنمية مستدامة، وهي مفارقة تؤكد أن مسارات دول الخليج العربي كانت من الحكمة والكياسة بما يفوق غيرها ممن انشغلوا بالمعارك في غير معترك، وتدبير الكيد والدسائس، لتأتي الضربة القاضية بهذه الجولة التي أكَّدت تماسك وتلاحم أبناء الخليج وحرصهم على أمن أمتهم العربية والإسلامية دون مزايدات أو مؤامرات، وهي الرسالة الأكثر بروزًا في الصورة العامة لأولئك المختبئين في الظلام وخابت ظنونهم. تلك الجولة التاريخية تضعنا في الطريق إلى مستقبل أكثر أمنًا وسلامًا نشترك جميعًا في بنائه، وتواجه فيه جميع دول مجلس التعاون تحدياتها بعقل وفكر واحد، بما تترتب عليه كثير من المصالح والمكاسب لأمتنا العربية والإسلامية، فأصحاب الطموحات غير المشروعة قد سقطوا، ومعهم كل صاحب أجندة خفية، وفي كل دولة خليجية يزورها الملك سلمان نطلق رصاصة الرحمة على أعداء السلام والأمن الذين يكيدون لأمتنا، فلم يعد من ثغرة أو نافذة يتسلل منها الظلاميون بمشروعات الفتنة والاختراق التي لا تهدأ من أجل تهديد أمن وسلام المنطقة وشعوبها، لأنه في النهاية لن يصح إلا الصحيح. تظل المملكة العربية السعودية وقيادتها عمود الخيمة الخليجية والعربية والإسلامية، وذلك مما يفرضه الواقع الديني والسياسي والجغرافي بكل ما فيه من حقائق لا يمكن إنكارها، وقيادتنا الرشيدة تعمل بكل جهدها من أجل أن تبقى أمتنا على مسارها الآمن لخيرها وصالحها، وهي التي ظلت أياديها ممدودة للجميع في كل أحوالهم دون مزايدات أو مساومات، وتلك حقيقة أخرى تثبتها وقائع التعاون دون منّة أو أذى، وإنما هو الواجب الذي درجت عليه المملكة منذ توحيدها وسار عليه قادة هذه البلاد كمنهج أصيل في حكم بلادهم وإدارة شؤونها الخارجية باعتبارها الحاضنة لكل عربي ومسلم، وعندها يلتقي الجميع ليضعوا مشكلاتهم على الطاولة دون تدخلات يكفيهم شرف المكان واحترام قيادة هذه البلاد، فيخرجون من عنق الزجاجة، كما حدث في كثير من الملفات ومن بينها اتفاق الطائف اللبناني وحوارات الفلسطينيين وغيرهم، ولم يشذ عن ذلك إلا من أبى، وهم قليلون فخابوا وخسروا. إننا نسعد بهذه الجولة لأنها تؤكد متانة العلاقات الأخوية الصادقة بين الأشقاء، ونتوقع أن تكون ثمارها بحجم الآمال والتطلعات في كتابة صفحات جديدة في تاريخ الأمة بأسرها، وليس دول الخليج العربي وحسب، فخيرها يعم ومكاسبها تصل بعيدًا لكل عربي ومسلم صادق ويثق ببلادنا وتوجهاتها، فهي تتحمل أمانة الأمة التي تأتيها سنويًا إلى الديار المقدسة، وتعي وتدرك أن مرجعها في هذه البلاد الطاهرة التي لا يمكن أن يأتي منها إلا كل الخير، وهو منتهى منهجها في الحكم والتعامل مع دول العالم بلا استثناء، لا يضرها من ناصبها العداء ويمتلك مشروعات شريرة تصطدم بصخرة الحكمة السعودية والتفاف الأمة حولها. في قطر كما كان في الإمارات حفاوة بالغة وترحيب رسمي وشعبي كبير، دون مبالغة أو تصنع، وإنما هي عواطف ومشاعر قيادة وشعب تجاه قائد الأمة وكبيرها سلمان بن عبد العزيز، كلمات وتصريحات المسؤولين والمواطنين القطريين أكثر من تُسجل عبر مقال، ولكن التاريخ يؤكد بأن العلاقات الأخوية بين الأسرتين الحاكمتين آل سعود وآل ثاني عميقة ومتجذرة، ويكفي دلالة على ذلك أن الملك المؤسس -رحمه الله- كان إذا أراد أن يبعث مبعوثًا لحكام قطر كان يختار ابنه الأكبر ولي عهده الملك سعود -رحمه الله- وفي ذلك دلالة واضحة على المكانة التي كان يكنها -رحمه الله- لحكام قطر. تكتمل الجولة الملكية برئاسة الملك سلمان -حفظه الله- وفد المملكة لقمة المنامة وبعدها زيارة الشقيقة الكويت. حفظ الله قائد الأمة، وحفظ الله خليجنا من كل كائد ومتربص.