النسخة: الورقية - دولي تُذكِّر صور الدبابات الروسية في القرم بالحرب في جورجيا عام 2008. كانت جورجيا رفضت، بسبب الضغط الروسي، «خطة العمل من أجل العضوية» التي كانت ستفضي إلى انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي («الناتو») ومهد ذلك الطريق أمام قيام موسكو بعمل ما. استُخدِم (الروس) الأوسيتيون في استفزازنا ثم للتدخل. هذه المرة، أرغم الروس أوكرانيا التي كان يحكمها (فيكتور) يانوكوفيتش على رفض اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي (جرى التوصل إليه في فيلنوس نهاية تشرين الثاني- نوفمبر) ثم دفعوا يانوكوفيتش إلى حظر الاحتجاجات في ساحة «ميدان» أثناء اللقاء في سوتشي (في السابع من شباط- فبراير على هامش افتتاح الألعاب الأولمبية الشتوية) وفقط بعد ذلك قرروا التدخل العسكري. وتشبه الدعاية الموجهة وتوزيع جوازات السفر الروسية في القرم شبهاً كبيراً ما جرى في أوسيتيا. ثمة متوازيات تشمل موقف الغرب الذي أصيب بالرعب لكنه يسعى أيضاً إلى تبرير أعمال الروس. لقد صُدمت عند سماعي مراسلاً لشبكة «سي أن أن» يقول إن تدمير المتظاهرين الأوكرانيين نُصب لينين قد يفسر التدخل الروسي! ما زالوا يصرون على الاعتقاد بأن هذا العمل أو ذاك مما قام به الأوكرانيون أو الجورجيون تسبب في التدخل الروسي، وهذا خطأ. ذاك أن عند الرئيس فلاديمير بوتين مخططاً إمبريالياً جديداً، ولا يبالي بالغرب إلا ليقرر ما إذا كان سيمضي بمشروعه قدماً أم لا. والغربيون ليسوا متفقين في ما بينهم في شأن العقوبات، وقالت ألمانيا إنها لا تريد إبعاد روسيا عن قمة الدول الصناعية الكبرى. وللأوروبيين مصالح مالية وفي مجال الطاقة مع روسيا، يضاف إلى ذلك أن أميركا تعبت من المغامرات الخارجية. رأينا ذلك في سورية عندما تراجع الرئيس باراك أوباما بعدما قال إنه سيتدخل. وقلت بعد الفصل السوري إن هذه السلبية ستشجع بوتين على القيام بما يحلو له. لم أكن أتقمص دور عراف، بل كان تحليلاً منطقياً. على الغرب أن يجمد أموال بوتين في مصارفه ويمنع منح الفريق الحكومي تأشيرات دخول إلى البلدان الغربية. كما يجب إبعاد روسيا عن «قمة الثماني» وتقديم مساعدة تقنية عسكرية إلى الأوكرانيين، خصوصاً في مجال الاستخبارات والأقمار الاصطناعية وحماية شبكة الإنترنت. إذا لم يحصل ذلك فأخشى ألا يتوقف بوتين في القرم. وأظن أن مخططه واضح ويتلخص في نشر الفوضى في أوكرانيا. وإقامة نظام احتلال في القرم وإثارة الاضطرابات في مناطق أخرى للحيلولة دون حصول انتخابات طبيعية. وفي الوقت الذي نتحدث فيه، ينظر الدوما في قانون يتعلق بضم مقاطعات أجنبية. إنهم يمهدون لخطة ضم القرم وأوسيتيا الجنوبية وربما أبخازيا وترانسنيستيريا (في جمهورية مولدافيا). ويتعين الانتباه إلى أنه للوصول إلى ترانسنيستيريا، يحتاج بوتين إلى أوديسا. سيتيح له ذلك رسم خط متصل إقليمياً يضم أبخازيا والقرم وأوديسا ممراً نحو ترانسنيستيريا. سيكون في وسعه القول للروس «انظروا، لم أستطع استعادة كل الإمبراطورية، لكنني وسعت أراضينا، أنا بوتين الأكبر». هذا من جنون العظمة، لكن هذا ما يجب فعله. لا تنسوا أن بوتين قال أثناء قمة «الناتو» في 2008 إن أوكرانيا لم تكن بلداً بل مقاطعة. وثمة خطر مواجهة عسكرية إذا لم يتخذ الغرب إجراءات سريعة وقوية جداً. إذا لم يحصل ذلك، سيعتقد بوتين أنه قادر على تكرار ما فعله في جورجيا. صحيح ما يقوله بعض الخبراء الروس عن انهيار معنويات الجيش الأوكراني وانعدام قدرته على الرد. فالأوكرانيون أهملوا جيشهم، لكن هناك ضباطاً أكفاء جداً. وإذا تدهورت الأوضاع، ستتولى منظمة «برافي سكتور» شبه العسكرية الناشطة في غرب أوكرانيا إصدار القرارات السياسية لإدارة الجيش. وسيكون معه مزيج من العناصر السياسية وشبه العسكرية، وعندها ستفتح نقاط التطوع في كل أنحاء أوكرانيا وسيتطوع كثر من الأوكرانيين الذين أدوا خدمتهم العسكرية. وأنا مقتنع بأنهم سيقاومون. وصعود حركة «برافي سكتور» القومية المتطرفة عاقبة مباشرة للعنف الذي بدأ بعد لقاء يانوكوفيتش وبوتين في سوتشي عندما قدم الأخير قرضاً ببليوني دولار كمساعدة عاجلة طالباً في الوقت ذاته التخلص مما يجري في «ميدان». قبل ذلك لم تكن «برافي سكتور» بهذه القوة. ولا أستطيع التكهن كيف ستتصرف الحركة إذا سيطرت على قيادة الجيش، لكن التحالف بينها وبين القوات المسلحة منطقي، لأن الجيش يفتقر في مستوياته العليا إلى إرادة التصرف السريع. وجماعة «برافي سكتور» قادرة على إضفاء إرادة التصدي للعدوان، لكنني لا أظن أنها ستحاول استعادة القرم. وفي نتيجة خبرتي مع بوتين، أعتقد بأنه لن يتردد في فعل ما يعتبره ضرورياً، إذا ارتبك الغرب، ولا يصح الاتكال على قدرته على ضبط نفسه. إنه يزداد تشدداً أكثر مما تخيلنا يوماً. * الرئيس السابق لجورجيا، عن «لو فيغارو» الفرنسية، 5/3/2014، إعداد حسام عيتاني