لم تجد الوزيرة الاشتراكية والمرشحة السابقة للرئاسة الفرنسية سيغولين رويال مجالاً لاثبات حضورها، سوى الوقوف فوق ضريح الزعيم فيدل كاسترو في كوبا مدافعة عن إرثه ومكانته التاريخية، وذلك خلال تمثيلها فرنسا في مراسم الجنازة. في الوقت ذاته، كانت زعيمة اليمين المتطرف في فرنسا مارين لوبن متفرغة لعمل أكثر براغماتية هو ضبط إيقاع حملتي انصارها الشعبويين في النمسا وايطاليا، مطلقة تغريداتها المحرضة لجمهور متزايد بات يستسيغ الدعوات الى التقوقع والعزلة ورفض الآخر. كانت القارة العجوز على موعد مع حدثين مهمين نهاية الأسبوع الماضي: انتخابات رئاسية في النمسا، كاد ينتزعها مرشح «حزب الحرية» الشعبوي نوربرت هوفر، واستفتاء في إيطاليا على إصلاحات، أطاحت نتيجته عرّابها رئيس الحكومة ماثيو رينزي بعدما رهن مصيره بنجاح مشروعه في مواجهة مروحة من الأحزاب اليمينية المناهضة له، بدءاً بانصار سيلفيو بيرلوسكوني وصولاً الى «حركة خمس نجوم» الشعبوية و «رابطة الشمال» الانفصالية. كسب اليمين المتطرف في ايطاليا ولكنه لم يخسر على الساحة النمسوية بل أثبت حضوره، في شكل وجه رسالة تحذيرية ليس الى الطبقة السياسية في النمسا فحسب، بل أيضاً الى جارتها في هولندا حيث يستعد الحزب الذي يحمل مسمى «الحرية» ايضاً بقيادة السياسي العنصري غيرت فيلدرز للمنافسة في انتخابات ستجرى في 2017 ... وكذلك الأمر في فرنسا حيث تستعد لوبن، زعيمة «الجبهة الوطنية» الفرنسية لحصد ثمار خيبة الاشتراكيين وفساد اليمين الوسط، في الانتخابات الرئاسية الربيع المقبل، هذا ما لم ينجح غريمها السياسي الصاعد فرنسوا فيون في إقناع الجمهور بصدقية وعوده الإصلاحية بعدما بات الاشتراكيون محكومين بالفشل في السباق الرئاسي المقبل. ولعل أي نتائج يحققها الشعبويون في أي بلد اوروبي، لن تعادل في أهميتها ما يحققونه من مكسب معنوي بوصولهم الى قصر الإليزيه في فرنسا، الأمر الذي جعل لوبن تتصرف كعرّابة لحركات اليمين المتطرف في القارة، توجه هنا وتسدي النصيحة هناك وتغرد على «تويتر» مستخدمة أسلوب دغدغة المشاعر والعزف على وتر حساسيات أدت الى صعود موجة العداء لأوروبا الموحدة. استفادت لوبن وحركات اليمين المتطرف في أوروبا من ابتعاد الاشتراكيين عن مواقعهم اليسارية ومحاولة الاقتراب من وسط الساحة السياسية، وتخليهم عن تقديم أنفسهم كرعاة لأنظمة الضمان الاجتماعي ورواد لمكافحة البطالة وقمع التضخم، ما وضعهم في موقع نقيض للشعبويين الذين خاطبوا مجموعات من السكان تشعر بأنها تعاني من التهميش داخل أوطانها كما تشعر بأنها مهددة بتضييق الخناق عليها اقتصادياً نتيجة أزمة المهاجرين، والكلفة الباهظة للاندماج الأوروبي. لم يقدم الشعبويون نظريات سياسية، بل استخدموا لغة المواطن العادي لمشاركته هواجسه. وكان لافتاً في هذا الشأن اعتراف الحزب الاشتراكي الأوروبي الذي يضم الأحزاب الاشتراكية والاشتراكية الديموقراطية والعمالية في القارة، بخطر الشعوبية، محذراً في ختام مؤتمره في براغ الأحد، من أن الاتحاد «مهدد» من السياسات النيو- ليبرالية والمحافظة وأيضاً من التطرف والشعوبية. وفي بيان عنوانه «إنقاذ أوروبا»، رأى التكتل الأوسع للأحزاب الاشتراكية في القارة أن «سنوات من تدابير التقشف غير الحكيمة وتصاعد عدم المساواة وانعدام الأمن، وفرت أرضية خصبة لليأس، وهو ما يستفيد منه الشعبويون لنشر الأكاذيب والكراهية والانقسام». وأياً تكن المخاوف التي عبرت عنها الأحزاب الاشتراكية في بيانها من خلال إشارتها الى «بريكزيت» والانتخابات الاميركية أخيراً، فمما لا شك فيه أن السيناريو الأسوأ الذي يمكن السياسيين التقليديين تصوره هو وصول لوبن الى قصر الإليزيه، ما قد يشكل بالنسبة إليهم السابقة الأخطر منذ نظام فيشي.