الجريح محمد الحسنات، قصفته طائرة استطلاع إسرائيلية خلال عدوان 2009، ففقد ساقيه ونالت من باقي جسده الجروح الكثيرة، لكنها لم تنل من عزيمته على الحياة رغم اضطراره إلى زيارة المستشفيات من حين لآخر لمواصلة علاجه. وكان محمد الذي يقطن منطقة المغراقة وسط قطاع غزة يعمل في شركة الكهرباء، إلا أنه غدا بعد إصابته يتقن كل شيء تقريبا، فتراه تارة ميكانيكيا وأخرى سمكريا أو دهانا، فهو لا يمل العمل في كل شيء، إلى درجة بات معها لا يحتاج أي من الحرفيين لتدبير لوازم بيته الجديد، حسب قوله. فإعاقة محمد لم تنل من إصراره على الحياة رغم قسوتها، فهو مصمم على المضي فيها بعزم وقوة تفوقان ما كان عليه حاله قبل استهدافه من الاحتلال، ويعبر عن ذلك بقوله، "صحيح أنني فقدت كلتا ساقي، لكني لم أفقد الأمل والإصرار على مواصلة الحياة طالما أن الله وهبني إياها". مصدر الصمود ويستمد الحسنات عزيمته من صمود مليوني فلسطيني يعيشون في قطاع غزة ويعانون ويلات الحروب والحصار، وهو ما دفعه إلى العمل بقوة في كل المجالات، فكانت البداية حين أسس ومدد شبكة الكهرباء الخاصة بمنزله الجديد بمساعده أطفاله، ثم انتقل بعدها للعمل في معظم الحرف، بعد أن يقضي بعض الوقت في متابعة أصحابها ومساعدتهم والتعلم منهم. ويبدأ أبو مجاهد يومه بالتوجه إلى إحدى ورش أصدقائه ليساعده في إعادة هيكلة ودهان المركبات، ومن ثم يتنقل إلى ورش أخرى، وذلك قبل أن يعود في نهاية اليوم إلى منزله الذي أقام بجانبه مجلسا أعده بنفسه من سعف النخيل، يلتقي فيه مع أصدقائه لتناول الشاي والقهوة بعد يوم طويل حافل بالعمل المتواصل. وهناك في مجلس أبو مجاهد لا يخلو الأمر من تدخله لفض وحل ما يطرأ من مشاكل بين الناس. فكثيرا ما يلجأ إليه الجيران والمتخاصمون للفصل فيما بينهم، فتراه سريع التحرك لوضع حد للخلافات، ويعلق على ذلك الحسنات بقوله "إن تحركي بنصف جسدي ساعدني كثيرا في الفصل بين المتخاصمين، فكل من دعوته إلى الصلح أو المسامحة كان يستجيب على الفور تقديرا لجهودي وإصراري على القدوم على الكرسي المتنقل لنزع فتيل الخلاف". محمد الحسنات في مجلسه الذي صنعه بنفسه بجانب منزله (الجزيرة نت) مبعث السعادة ويحظى أبو مجاهد بمساعدة أبنائه الذين يساعدونه في الصعود على السلم المتنقل أو غيرها من المهام التي يصعب عليه تنفيذها بنفسه، فالحسنات لديه سبعة من الأبناء،وُلد أربعة منهم قبل تعرضه للقصف والثلاثة الباقون بعد أن نجاه الله منه. ويعتبر العمل بالنسبة للحسنات أحد أهم مباعث السعادة لديه، فيشعر بسعادة غامرة بعد أن ينتهي من إصلاح الغسالة الكهربائية أو الموقد أو ما شابه، سواء في منزله أو لدى جيرانه أو أصدقائه ممن يلجؤون إليه لمساعدتهم في إصلاح أدواتهم المنزلية. وعلى مستوى عائلة أبو مجاهد انتخب الرجل ليكون أمين سر تجمع عائلة الحسنات في فلسطين والشتات تقديرا لعطاءاته وإسهاماته على الصعيد الاجتماعي. وينظر محمد إلى ما يقوم به من أعمال كثيرة على الصعيد العملي والاجتماعي على أنه رسالة يثبت فيها لنفسه ولغيره ممن بترت أطرافهم وانطووا على أنفسهم ألا يستسلموا لواقع الإعاقة، لأنهم يملكون كثيرا من الطاقات الكامنة التي يتوجب عليهم استحضارها وتفعيلها.