اجتمع مجموعة من الشباب عام 2011 وأطلقوا على أنفسهم أسماء مثل "Urban Fox" و"Silent Motion" وقرروا استكشاف عالم تحت الأرض على عمق 25 متراً أسفل العاصمة البريطانية "لندن" ووصفوا الأجواء تحت المدينة بالحارة وشديدة الرطوبة. خاض فريق المستكشفين الشباب هذه المغامرة من خلال درجات من السلم إلى أنفاق من صنع البشر ووجدوا مكتبا قديما تابعا للبريد البريطاني في شبكة مترو الأنفاق وعرف باسم "Mail Train". ووفقاً لتقرير نشرته "سي إن إن"، فإن هناك خطوط سكك حديدية للأنفاق غير موثقة تحت العاصمة، ولا يذهب إلى هذه الأنفاق السرية التي شهدت سير أول قطارات كهربائية ذاتية القيادة في العالم في القرن العشرين بسرعة 55 كيلومترا في الساعة سوى موظفي هيئة البريد. تراث لندني تحت الأرض - حققت لندن الريادة في إنشاء الأنفاق حول العالم وكان أغلبها من أجل مناسبات ضرورية مع بدء حقبة الملكة فيكتوريا بعد تفشي وباء الكوليرا عامي 1848 و1849. - في 1863، تم تدشين أول نفق لاستيعاب الكثافة المرورية على مستوى العالم، وسارت حينها قطارات بخارية على سكك حديدية وأسفر الأمر عن اختناقات بسبب البخار الكثيف. - بدأ نقل وتوصيل البريد في لندن من خلال الأنفاق منتصف القرن التاسع عشر، وفي 1861 بدأت شركة خاصة تدشين منظومة أنفاق ضيقة من الصلب سارت خلالها أيضاً قطارات بخارية. - عام 1865، كشفت "لندن نيوز" عن إطلاق مشروع أنفاق تحت "Euston Station"، لكن بعد عدة تجارب، فشل المشروع في جذب مستثمرين. - عام 1908، زار مهندسون في هيئة البريد البريطانية مدينة "شيكاغو" الأمريكية للتعرف على منظومة أنفاق الشحن الجديدة التي امتدت لمسافة 100 كيلومتر تحت سطح الأرض. - أعرب المهندسون حينها عن إعجابهم الشديد بهذه المنظومة وقرروا بعدها إنشاء خطوط لقطارات كهربائية لتخفيف كثافة عربات الخيول في العاصمة البريطانية مع أوائل القرن العشرين. ملاذ لفن لا يقدر بثمن - تم سن قانون قطارات البريد البريطانية عام 1913 وافتتحت أنفاق لأغراض تجارية في العام التالي، واستغرق العمل بشبكة أنفاق أسفل العاصمة عدة سنوات بسبب ظروف الحرب العالمية الأولى. - افتتحت شبكة الأنفاق التابعة للبريد عام 1927 واعتبرت بمثابة انتصار كبير، وتمكنت الهيئة من نقل أربعة ملايين خطاب يومياً بين ثمانية مكاتب في العاصمة، ولم تتوقف على مدار 75 عاماً حيث تم تشغيل قطارات لمدة 22 ساعة يوميا تعقبها ساعتان للصيانة. - قبل ذلك، كان للأنفاق غرض آخر تمثل في حفظ وتخزين تحف وكنوز فنية للمتحف البريطاني ومعارض فنية أخرى. - في عام 1918، وبسبب مخاوف البريطانيين من قصف الطائرات الألمانية، نقل المتحف البريطاني وبه عدة تحف ثمينة مثل "حجر رشيد" إلى الأنفاق التابعة للبريد. قطار البريد - افتتح متحف البريد أبوابه أمام المستكشفين لعرض أنفاقه السرية للمرة الأولى، وبحلول الربيع القادم، سيمكن للعامة استقلال أحد قطارات هذه المنظومة بقطارات جديدة أسفل لندن. - أعرب فريق "Urban Fox" عن إعجابه بالأعمال الفنية للمهندسين ولمساتهم الواضحة على الأنفاق بالإضافة إلى البصمة التاريخية للموقع. - حفرت هذه الأنفاق بالأيدي وبشكل تقليدي للغاية واستغرق العمل عليها ثلاث سنوات ونصف السنة ولم يتسن معرفة عدد العمال الذين قاموا بالحفر أو من مات منهم. - يقل ارتفاع غالبية الأنفاق عن ثلاثة أمتار، وفي بعض المناطق يبلغ ارتفاعها بالكاد مترين كما تشهد ارتفاعات وانخفاضات وانحناءات قوية. رجال الصيانة - قال أحد مهندسي الصيانة في الأنفاق ويدعى "راي ميدلوورث" 59 عاماً إنه عمل في هذه المنظومة على مدار ثلاثين عاماً واعتبرها مماثلة إلى حد كبير لمناجم الفحم. - منذ عام 2003، أغلق نظام مترو الأنفاق التابع للبريد البريطاني وكان يعمل حينها طاقم من ثلاثة رجال فقط على صيانته يحملون مشاعل ومصابيح بامتداد الخطوط والتأكد من عدم وجود مياه عليها. - تمثل الحقيقة غير العادية بالنسبة للكثيرين في لندن أن شبكة الأنفاق التابعة لمكاتب البريد هي أسرع طريق لعبور العاصمة حيث يتطلب الأمر فقط 14 دقيقة لاجتياز 10 كيلومترات. - رغم ذلك، لم تستخدم لنقل الركاب بل لتوصيل البريد، واهتمت هيئة البريد البريطانية فقط بالسرعة في توصيل الخدمة، وفي بعض الأحيان لحفظ التحف الفنية.