ليس لي موقفاً موحداً من العلاقات الإجتماعية غير التقليدية، كعلاقات ما قبل الإرتباط بالأنثى زواجاً، عن طريقة الخطبة، وما يتلوها من أنظمة اجتماعية، وتقاليد أسرية، تتفاوت بين مجتمع وآخر، وحدود التعامل مع شريكة العمر، وأحكام مخاطبتها تلك الفترة في الميزان الشرعي.. لا تذهب بعيدا قارئي العزيز.. فكل ما أرجوه منك أن تمهلني قليلاً ولا تعجل علي بتحليلاتك، أو تحسبني سأكتب عن تلك الأنواع؛ من غزوات الغيد الحسان، ومطاردة الوهم بالكر والفر، وراء العذارى والجميلات المتغنجات !! لا، لن أفعل هذا؛ لأنها في مجملها نزوات، تنتهي بانتهاء أحداثها، ولن تقدم لك كثيراً من الفائدة أو المعرفة، أكثر من الإجهاد النفسي والمالي، وليس لها مكاسب حقيقة أو عوائد، إلا ما تعيشه في لحظة الاستغراق، وربما اتستفقت منها على أولى الغزوات الحقيقية، والتي استهدفتك أنت بعينك!! دعني أحدثك عن أول شعرة شيب غزتني، رأيتها في لحيتي متخفية، لافتة اهتمامي بها، وقلقي منها، تسللت إلي بهدوء المتقفي، أرقبها بعيني تتراقص متمايلة كلما رجلت لحيتي، معلنة مرحلة جديدة من عمري، وصفحة ملهمة من أيامي!! إنها سيرتي الذاتية الحقيقة، والتي انفردت بأصدق معلوماتي الشخصية، في عالم تغرقه الأوراق والمعلومات غير الموثقة، والمحسوبيات الكاذبة المرهقة ! لست أعلم توقيت هبوطها في مطار حياتي، مؤكدة وصولها باستحقاق لمكانها في جسدي، فلست أملك منعها، ولو أمكنني إخفاءها لبرهة والتحايل على وجودها وسلطانها ببعض الصبغات، فلكأني بها تهمسني في أذني قائلة لي وهي واثقة: لا تضجر مني، إن الحياة رحلة ! إن جريان السنن، وقطع مسافات الأعمار، لتنبيك عن دورك في عالم الفناء إلى عالم الوجود، سباق لم يكن من اختيارك، ولم يطرأ على بالك، ليبقى المشهد الأخير بعظمته وجلاله، ﴿كُلُّ مَن عَلَيها فانٍ•وَيَبقى وَجهُ رَبِّكَ ذُو الجَلالِ وَالإِكرامِ﴾ [الرحمن: ٢٧:٢٦] كثيرا ما كان يدور في مخيلتي، صدى حوارات، كنت أتمثل فيها دور الخائف من فقد إنسان يحبه: أب، أم، ابن، بنت، زوجة، حبيبسم من شئت؛ في لحظة أتجرع فيها إحساس الفقد بجدارة، وأعيش ذلك الدور بمخيلتي الواسعة، فأتوسل فيها إلى الله عز وجل بكل تفاصيلي ودموعي؛ أن يكون أجلي قبل أجلهم، أو أن يهبهم الباري من عمري ما يمهلهم، فلست أطيق فراقهم، بعد أن امتلأت الحياة منهم وبهم.. فيرتد صدى صوتي بإجابة في وقار و جلال: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُم لا يَستَأخِرونَ ساعَةً وَلا يَستَقدِمونَ﴾[الأعراف: ٣٤] أليس هو نداء زكريا عليه السلام لمعقد أمله، وباري نسمه: ﴿قالَ رَبِّ إِنّي وَهَنَ العَظمُ مِنّي وَاشتَعَلَ الرَّأسُ شَيبًا وَلَم أَكُن بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا﴾[مريم: ٤] فمن يملك تغيير السنن، والرجوع في الزمن، من؟! ﴿فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبديلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحويلًا﴾[فاطر: ٤٣] إن أجمل لحظات العمر؛ قد تكون مع تلك البيض الرواحل، حينما يحدثنك عن طيب سيرتك، ونقاء سريرتك، وبياض قلبك وعفتك، وقيامك بواجبك في بحر تلك الحياة العميق.. يروينك لأجيال رأتك فأحبتك، و تمثلتك و اشتاقتك، ترى من خلالك ذلك الأثر الجميل الذي تركته فيمن حولك، وفي رحيلك من بعدك.. روى الترمذي في سننه من حديث كعب بن مرة، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من شاب شيبة في الإسلام كانت له نورا يوم القيامة).. ولذا، سألتمس اليوم عذراً من الشاعر البغدادي متطفلا عليه في قوله: بكيت على الشباب بدمع عيني فلم يغــــــن البكاء ولا النحيبُ ألا ليت الشبــاب يعود يومـــــــاً فأخــبره بما فعل المشيـــــــــــبُ لأقول نظماً: ألا ليت الكمال يكون عمراً يحدثني به ذاك المشيب فأنهل حكمة وأزيد علماً فذاك الفضل والأصل النجيب اللهم اجعلنا ممن طال عمره وحسن عمله.. أحمد حمودة حلمي الرأي كتاب أنحاء