النسخة: أسعدني جداً الخبر الخاص بتغريم طبيب سعودي مبلغ 10 آلاف ريال، لتصويره مريضاً من دون علمه. وأودّ هنا التركيز على وجوب أن يكون الإذن «خطياً»، وأن يوقِّع المريض على خطاب الموافقة وهو في حاله الطبيعية، بعدما يفسّر ويوضح له من طريق الكتابة جدوى التصوير، وهل هو للأغراض العلمية من عدمه، وعدمه هذه تعني بثها من دون رقيب ولا حسيب على مواقع التواصل الاجتماعي، التي كشفت لنا بوضوح ثغرة أخلاقية ينبغي التوقف عندها، وإعادة صياغتها أخلاقياً، ثم ترسخيها في ضمائر المجتمع منذ الطفولة، وفي المناهج الدراسية، وخطب الجمعة التي ما زالت تتحدث عن صفة الوضوء ونواقضه، وحكم وضع الخميرة على الوجه، واستحباب دخول «الخلاء» بالقدم اليمنى، في حين يئن المجتمع من ثغرات أخلاقية أشد عمقاً وأعظم تأثيراً وأكثر ضرراً على الفرد نفسه، والمجتمع بأكمله. في خبر آخر، قامت موظفات بتصوير سيدة مسنّة في أحد مستشفيات المدينة المنورة، وهو تصرِّح بأسماء أولادها وزوجها واسمها، وظهرت بوجهها الواضح جداً، وربما كان هدفهن الخير أو تنبيه أبنائها وتذكيرهم بواجبهم نحو والدتهم، ولكن الطريقة نفسها انتهكت حقها كمريضة مسنّة لا تعي ما يدور حولها، وانتهكت حق ميثاق السرية الذي ينبغي على موظفي الصحة قبل التوقيع عليه، فهمه واستيعاب معناه داخل ضمائرهم، وإذا كانت ضمائرهم وأخلاقياتهم لا ترى بأساً في تصوير سيدة مسنّة على فراش المرض والوحدة، فالمكان يجب ألا يتسع لهؤلاء، ولا لأي كائن في موقع يسمح له بانتهاك حقوق الآخرين من دون وجه حق، ولا تغفر لهم نيتهم الطيبة في مساعدتها. ما زلت غاضبة وأشعر بالأسى من تصريح أحد الأطباء النفسيين وهو يشرح عن حال عالم آثار سعودي قيل إنه انتحر قبل أعوام في «مكة». وغضبي نابع من كونه لا حق له في شرح حال مريضه للآخرين، ومن صمت المسؤولين عنه وعن تصريحه، وهو على مكتبه يشرح حال الاكتئاب العظيمة التي أدت إلى انتحار مريضه. الغضب أتى من تبريره - الذي لا يخلو من الغباء - بأن أهل مريضه طلبوا منه توضيح الحال للرأي العام، على رغم أن هذا حق أخلاقي له شخصياً، وهو في كنف الرحمن الرحيم، ومتوفى لا يستطيع الدفاع عن نفسه، أعظم من حقه في ذلك وهو حي يرزق، لأنه عندها سيتمكن من المطالبة بحقه. لا زلت أشعر بالفخر تجاه قرار سريع اتخذته بعد مراجعتي لطبيب متخصص ومشهور، وهو مغادرتي على الفور بعدما بدأ حديثه معي باستعراض أسماء عدة تراجع عيادته، وعندما استغرب وقوفي ومغادرتي أخبرته أنه إذا كان غير أمين في الحفاظ على بيانات مريضاته، وعرضها بسهولة على زبونة دخلت للتو عيادته، فكيف أثق به وبمعلوماته الطبية؟ الأمانة لا تتجزأ، حتى ولو كانت نيته استعراض شهرته وخبرته وتميزه. سأعود لاحقاً لموضوع الانتهاك بالتصوير، ولكن قبلها يجب أن نفكر في وجود خط ساخن، وفرق كثيرة، مهمتها حل المشكل العالقة كحال السيدة المسنّة ومثيلاتها، بكرامة ومن دون فضحها على الملأ. كاتبة سعودية suzan_almashhady@hotmail.com