×
محافظة المنطقة الشرقية

«محمد بن فهد» تشارك في منتدى «التقدم البيئي»

صورة الخبر

       تناول مغردون سعوديون على التويتر هاشتاق ( فتح ملفات الصحوة ) وفيه بدت مختلف الآراء التي عبّرت عن حقبة زمنية عاشها السعوديون وبدأوا فيما يشبه المراجعة الشاملة – في إعادة تقييم تلك التجربة بكل ما حملت . تراوحت تلك الآراء بين النقد العشوائي وتصفية الحسابات إلى التمجيد الكامل لتلك الحقبة , ووسط هذين الطرفين المتطرفين ضاعت الحقيقة المرجو بحثها وتقييمها بأبعادها الحقيقية في موازين الحقائق المنطقية .        ولست هنا بصدد إعادة تقييم شامل لمنجز الصحوة فهذا عمل يحتاج إلى مشروع ضخم , وقد كتب عنه الكثير فيما كتب عن تلك الحقبة , إلا أنني في هذه الأسطر القليلة سأشير إلى عدة أمور مهمة , ومن وجهة نظر جيل فتح عينه على واقع تلك الحقبة , ثم سمع فيما بعد صوت ارتطام سقوطها الدراماتيكي .هي أمور يجب أن توضع في حسبان كل من يتطلع إلى رصد تلك الحقبة الزمنية ويحاول إيجاد تفسير لما آلت إليه بكل حمولتها .       بداية .. لابد من معرفة أن الصحوة ما هي إلا ظرف ثقافي قام على أنقاض الظرف الثقافي القومي والعروبي , وحاجةٌ نفسية في عمق الوجدان العربي الذي خاض التجربة القومية بكل أبعادها على مدى عقود , ووجد نفسه مضطراً إلى التخلي عن تجربة أثبتت فشلها , فكان التوجه – لا إرادياً – إلى خوض التجربة الدينية كحالة ثقافية بديلة , وفيما يشبه الإحلال الثقافي المحض المشابه لظرف الإحلال الثقافي العروبي والقومي الذي نشأ هو الآخر على ظروف الحقبة الاستعمارية , جاءت الفورة الدينية لتأخذ مكانها في وجدان الإنسان العربي المثقل بجراحات التجربة السابقة , والمتطلع إلى قضاياه بإلحاح مقلق , والباحث عن الخلاص في أي شيء يعده بمستقبل أفضل .       كان ذلك الظرف الديني عامّاً عند كل الطوائف , فقد شهدت الطائفة الشيعية في المملكة حراكاً (دينياً / صحوياً ) تمثل في صحوة دينية لا تقلّ شراسة عن التيار الصحوي السلفي التقليدي , فنشأ التيار الشيرازي الذي كان أقرب في صورته الحركية إلى تيار السرورية , وقد حملت التجربة الشيعية في مدينة القطيف السعودية حالات مشابهة للنمو الصحوي في بقية أرجاء المجتمع السعودي . وفي كتاب ( الحراك الشيعي في المملكة ) لكلّ من بدر الإبراهيم ومحمد الصادق , يذكر المؤلفان أن ( محتسبين ) من الطائفة الشيعية كانوا في المجتمع القطيفي في الثمانينات والتسعينات يجوبون الأسواق بحثاً عن أية مخالفات أخلاقية أو سلوكية , وكانوا يضبطون الشباب في حالات التحرش بالفتيات , ومراقبة من يقومون برفع أصوات الأغاني . بالإضافة إلى انتشار المحاضرات الدينية والمنشورات الوعظية التي تحمل المجتمع على التمسك بقيم التدين . كما انتشرت أيضاً المخيمات الصيفية التي تعدّ الشباب تربوياً ودينياً , تماماً كما كانت الصحوة السلفية تفعل في أنشطتها !!      هذا غير حالات انتشار المظاهر الدينية حتى في المجتمعات العربية المنفتحة المجاورة , والتي تمثلت في مظاهر الحجاب واللحية وارتياد المساجد وكثافة الحضور للمحاضرات عند المحدّثين الدينيين , حيث اشتهر عبد الحميد كشك في مصر , وأحمد القطان في الكويت , ثم بدأ الإقبال على أشرطتهما لاحقاً في المجتمع السعودي قبل أن يتولى قيادة الخطاب الديني دعاة محلّيون أفرزتهم المرحلة ليتحولوا إلى رموز للصحوة بعد ذلك , وأعطوا لها نكهتها المحلية الخاصة .     إذاً .. فهي حالة وجدانية عامة ,  وشعور جمعي عام , في كل المجتمع العربي تقريباً . شعور ولّدته التجربة القومية السابقة , كحالة لجوء وجدانية إلى منطقة الدين والتدين . وكما لكل شيء نهاية .. فقد حملت الصحوة الدينية معها بذور نهايتها تلقائياً , كأي ظرف ثقافي مصيره النهاية , وبشكل سُنَني خاضع لمنطق التداول التاريخي الثابت , يبدأ بالولادة فالنشأة ثم الزوال , إلا أن ما يهمّنا في هذه الأسطر معرفته هو ما هو البديل المفترض , أو الظرف الثقافي الذي سيتولى قيادة المرحلة ؟       في المملكة – كمثال لتناول تلك الحالة الدينية – فإن كل الدلائل تشير إلى ولادة تيار جديد يتشكّل من كل الطوائف المذهبية تقريباً ومن كل مناطق المملكة , ويتطلع إلى واقع أكثر تحرراً من قيم الصحوة عبر مفرداته الجديدة التي يطرحها بشكل يومي كالحقوق والديمقراطية والحريات والتسامح ونبذ الطائفية . إنه تيار جديد هضم قيم المرحلة الدينية السابقة واستوعب تناقضاتها وبدأ يتحرك خارج مسارها ؛ ليتلمس طريقه إلى واقع جديد أكثر إلحاحاً وتطلعاً للمستقبل المقلق . التيار الجديد من كل الطوائف يشترك في رؤية واحدة تواقة للمستقبل , وغير مرتهنة للمنظومة الراديكالية لكنها لا تحاربها بشكل واضح .      يتضح المثال الأكثر وضوحاً على الحالة الثقافية الجديدة التي تحلّ بالشباب العربي عموماً والسعودي خصوصاً , ما حصل في ليبيا في 2011 حين أقدمت مجموعات كبيرة من الشباب الليبي على حرق مقرات ( أنصار الشريعة ) في بنغازي . كانت تلك رسالة زمنية ضخمة لبقايا التيارات الدينية والجهادية بأن حقبتكم انتهت وحلّ مكانها حقبة جديدة لا تتقبل ما يخرج عن ذائقة الجيل الجديد المشبع بتطلعات الحياة المدنيّة وآفاقها الوثّابة للمستقبل .       بالعودة إلى المملكة , نجد أن هذا الجيل الجديد يتماهى مع الواقع الأممي التنافسي , فيطرح رؤاه بدرجة من الواقعية والإدراك أكثر بكثير من رموز وقيادات التيارات السابقة التي بقيت تعيش إلى الآن بأجسادها دون أرواحها المحبوسة في مجال إدراك أبعاد تلك المراحل الزمنية التي أنتجتها .      التيار الشبابي الجديد يأخذ مساراً وسطاً بين التدين الطبيعي وبين القيم الليبرالية في أبعادها الإنسانية والاجتماعية التي نقلت وسائل الاتصال الحديثة صورتها فجذبت هذا الجيل عن أي شعارات أخرى ملّت الأذن العربية من تردادها .       في المقال القادم .. سنتعرف على بعض تلك الملفات التي يناقشها الجيل الجديد من السعوديين , ويصرّحون – أكثر من أي وقت مضى – بتطلعاتهم المناقضة لقيم حقبة الصحوة وأدبياتها , فيما يشبه الثورة الثقافية التي بات يصوغها الآن جيل جديد يتشكل خارج رحم المنظومة الدينية والاجتماعية التقليدية .