حين تتمعن في تفاصيل خريطتك الوراثية الفردية يمكنك أن تقدر حسب الفرضيات الإحصائية نسبة ما ورثته من والديك ومن أجدادك، ويمكنك أن تتحدث عن نسبة 1% والتي تمثل ما تتفرد به أنت من متغيرات جينية تحدد بصمتك إن أحببت أن تستخدم هذا الوصف. لو قرأت الشفرة الوراثية المكونة لموروثة ما وقارنت تسلسلها في مئة شخص ستجد ان نسبة التماثل الوراثي بينهم كبيرة ونسبة الاختلاف قليلة وقد تكون معدومة في بعض الحالات. لنُعِدْ كتابة ماسبق بصيغة الأحرف والكلمات فأحيانا نخطئ حين نحاول أن نخرج المعلومة من إطارها العلمي البحت، لذلك سنعيد صياغة الفكرة؛ لنفترض أن الموروثة عبارة عن فقرة مكونة من عدة جمل عدد أحرفها ألف حرف فإن احتمالية أن تكون هذه الحروف متماثلة في المئة نسخة المطبوعة اكثر من احتمالية أن يسقط حرف أو تتغير كلمة في هذه النسخ المطبوعة وقبل أن اكمل نحن هنا نتحدث عن احتمال وفرضيات إحصائية. هل يعني ذلك أننا نسخ متماثلة؟ الإجابة ستكون حتما بالرفض، والأدلة كثيرة على اختلافاتنا الفردية ولها تفسيرها العلمي ونظرياتها لكن الاختلاف لا ينفي عناصر التشابه ولا نقاط الالتقاء. وهذا ليس بموضوعنا ولن نتحدث عن الميكانيكية وراء الاختلاف الجيني أو التعبير الوراثي إن صحت التسمية، لكننا سنتحدث عن التفرد بعيدا عن الجينات والوراثة. كيف تحب أن تصف نفسك؛ هل تصف نفسك بأنك مثل الآخرين أم أنك مختلف في آرائك وطموحاتك وأسلوبك المعيشي ونظرتك للحياة؟ لنعد إليك، فأنت كطفل صغير تتشرب بيئتك التي تعيش فيها، تقلد والدك في قراءته للجريدة وأمك في طريقة تعاملها مع أحداث يومها تكبر لتصبح القراءة ممارسة يومية، تبحث عن الكتب المميزة التي ينصحك بها قريب أو صديق أو ناقد في صحيفة، في مراهقتك تكون نسخة من أصدقائك حتى تتوافق مع الشلة تتعلم منهم طبائع معينة وتكتسب صفات معينة، في شبابك قد تتأثر بشخصية عامة أو سياق فكري معين تتبناه وتصبح صدى له. تتابع وسائل الإعلام تفضل قناة إخبارية على أخرى أو محلل سياسي على آخر فتستقي المعلومة منه والرأي أيضا وتبني وجهة نظرك على ما استقيته من المصدر، تدخل في نقاش وتقول "هذا رأيي" لكن هل لك أن تتوقف وتسأل نفسك؛ رأيك هذا كيف كونته؟ كيف تحددت ملامحه؛ هل كونته من مشاهدة طفولية أم تقليد مراهقي أم قراءة شبابية أم فكرة ناضجة أو متأثرة بخطاب إعلامي؟ أين أنت بين كل هذا؟ أنت حصيلة ما تعلمته من أبويك ما درسته في المدرسة ما قرأته من كتب ما تعرضت له من تجارب، أنت جزء من هذا وذاك؛ لكن ما الذي تبقى منك لنقل انه أنت بتميزك واختلافك وتفردك؟ هل هو عقلك الذي يفلتر المعلومة هل هي اختيارات حياتك التي تبنى على تجاربك وحالتك الذهنية والنفسية هل هو انعكاس تصرفاتك حين تتفاعل مع ما يحدث حولك؟ هل تجد نفسك أم أنها مدفونة بين الأزياء والموضة والسيارات والتقليعات الاجتماعية؟ أنت تعرف نفسك أكثر فأنت الذي تراها في المرآة وتعرف دواخلها.