يفر الآلاف من شرق مدينة حلب السورية، التي سيطرت عليها المعارضة منذ سنوات. قوات نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، اخترقت خطوط جبهة هذه المدينة الجريحة. اقتربت النهاية. إنها بداية نهاية الثورة ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد، التي بدأت 15 مارس/ آذار عام 2011، في أوائل ما سُمي بتفاؤل بـ"الربيع العربي". إنها قد تكون أيضاً المسمار الأخير في نعش هذه السلسلة من الثورات أو الانتفاضات في تونس ومصر وليبيا وسوريا والبحرين واليمن، والتي انتهت بالكوارث (مع الاستثناء المحتمل لتونس). غطيت تقريراً من حلب في شهر أغسطس/ آب عام 2012، عندما كان يبدو أن للثورة السورية فرصة في النجاح. بقيت حلب، أكبر المدن السورية، في البداية خارج الثورة. ولكن في صيف عام 2012 ثارت ضد النظام، وعندما انضمت إلى المعارضة، في ذلك الوقت، كان الأمر يبدو على أنها مجرد مسألة وقت قبل انهيار النظام. وفي حي صلاح الدين المدمر، أخبرني مقاتل معارض ملثم إنه واثق من قرب الانتصار: "سننتصر، لأننا مؤمنون. نحن نؤمن بالله، وهم، النظام، لا يؤمنون بالله." ولكن في الوقت الذي قضيته في حلب، كان هناك أيضاً مؤشرات بأن المعارضة كانت منقسمة، وأظهرت بعض الفصائل علامات التطرف. أذكر جلوسي على رصيف أمام مركز للشرطة في حي السكري الذي سيطرت عليه المعارضة، عندما سمعنا دوي طلقات نارية. عناصر المعارضة، الذين كانوا جزءاً من حركة "التوحيد"، داخل قسم الشرطة كانوا قد أعدموا للتو شخصاً اتُهم بأنه جاسوس. وبعد لحظات أخرج اثنان من المسلحين الملثمين شاباً من القسم، عيناه معصوبة ويداه مربوطة وراء ظهره. وأوضح صديقه، الذي كان يجلس بجواري على الرصيف، أن الشاب الذي يبلغ من العمر 16 عاما، كان قد قُبض عليه وأُخضع للتحقيق بسبب عثور عناصر المعارضة على أرقام هواتف لفتيات على هاتفه المحمول. فصيلة المعارضة، التي سيطرت على الحي الذي يسكن فيه، أخذته من منزل والديه، اللذين سيضطرا لدفع غرامة تبلغ 75 دولاراً. في وقت لاحق بعد ظهر ذلك اليوم، شاهدنا رجلاً وامرأة غطت وجهها، يتركان الحي وهما يدفعان عربة أطفال مليئة بالرزم. سألت المرأة إلى أين كانا يتجهان. لترد دون أن تتوقف: "سنغادر. هؤلاء الناس ليسوا أفضل من النظام. في الواقع، إنهم أسوأ." بعد خمس سنوات، تحول المد بشكل حاسم. جاءت روسيا لإنقاذ الأسد في سبتمبر/ أيلول عام 2015. ومع القوة الجوية الروسية واسعة النطاق ضدهم، والأسد يحصل على مساعدات من إيران و"حزب الله"، تخسر المعارضة السيطرة على الأراضي في كل مكان. المعارضة، والتي تتكون من جماعات معادية لبعضها تتحد في كثير من الأحيان فقط في عدائها للنظام، تسيطر فقط على جيوب متناثرة ومتقلصة من الأراضي في جميع أنحاء دمشق وحمص ودرعا وحلب، والمساحة الكبيرة الوحيدة التي لا تزال تحت سيطرتها تقع في محافظة إدلب. تركيا تدعم فصائل "الجيش السوري الحر" على طول الحدود الشمالية لسوريا، والولايات المتحدة تدعم ما يسمى بـ"قوى سوريا الديمقراطية" في شمال شرق البلاد، ولكن كلاهما يركزان على قتال تنظيم "داعش"، وليس النظام. إدارة أوباما، التي رسمت خطوطاً حمراء في سوريا، حيث طالبت بتنحي الأسد، ودعت إلى الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان في سوريا، في النهاية لم تستطع فعل شيء يُذكر لتغيير مجرى الأحداث. إذ تصدرت المعركة ضد "داعش" قائمة الأولويات فوق كل شيء آخر. في المناطق التي تستعيد الحكومة السيطرة فيها، يكون مستقبل المعارضين فيها قاتم. إذ بات من شبه المؤكد أن المخابرات "المهيبة"، أو الشرطة السرية، ستلاحق وتعاقب أولئك الذين حملوا السلاح ضد الأسد. إذ لا يُعرف طغاة الشرق الأوسط برحابة الصدر، وسوريا ليست استثناء من القاعدة. إذا كنت تريد أن تعرف كيف من المحتمل أن يتعامل الأسد مع خصومه المهزومين، ألقي نظرة على ثورة حماة في فبراير/ شباط عام 1982. في تلك السنة، حاول أعضاء جماعة "الإخوان المسلمين" الاستيلاء على المدينة السورية المركزية من نظام حافظ الأسد، والد بشار. قوات النظام بقيادة عم بشار، رفعت، طوّقت حماة وضربت المعارضين لمدة أسبوعين بالدبابات ونيران المدفعية، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 10 آلاف شخص. وبعد ذلك، ذبحوا الآلاف من المعارضين والمدنيين على حد سواء. زرت حماة مراراً وتكراراً في وقت مبكر من التسعينيات، كانت مكاناً غريباً يملأه المخبرون، وعلى عكس مناطق أخرى في سوريا، كان الناس يترددون في التحدث مع الغرباء. وكان النظام قد دمر المدينة القديمة بأكملها، وبنى فوقها فنادقاً فاخراً وحدائق. عندما تسقط منطقة شرق حلب، يُصبح الوضع مسألة وقت فحسب، قبل أن تسقط جيوب المقاومة الباقية، إما عن طريق النار أو الاستسلام، عندئذ تكون نهاية الثورة.