قال مدير الجامعة الإسلامية الدكتور عبدالرحمن بن عبدالله السند إن بيان وزارة الداخلية الذي صدر مبنياً على الأمر الملكي الصادر بتاريخ 3 / 4 / 1435ه الذي بين تجريم بعض الأفعال والتوجهات جاء ليؤكّد منهجية وسياسة هذه الدولة المباركة في فهمهما الصحيح لتعاليم الشرع الحنيف الذي حث على لزوم الجماعة ونبذ الفرقة ودعاتها، ومحاربة التطرف بجميع ألوانه، وحذر من التحزبات والانتماءات والجماعات المخالفة لجماعة المسلمين وإمامهم، فالإسلام بشموليته وعالميته لا يقبل اختزاله في مفهوم حزبي. وأضاف أنه منذ قيام هذا الكيان الشامخ المملكة العربية السعودية على يد المؤسس جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - رحمه الله – حتى هذا العهد الزاهر عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود وولي عهده الأمين حفظهما الله فقد جعلت دستورها ونهجها القرآن الكريم والسنة المطهرة لا غلو ولا انحراف، وقامت بمحاربة الإرهاب بكل صوره الممقوتة الذي دمر الشعوب، وروّع الآمنين. الشرع حث على لزوم الجماعة ونبذ الفرقة ودعاتها ومحاربة التطرف بجميع ألوانه عقيدتنا تدعو إلى الاعتصام والتعاون وإسقاط الخلافات والاجتماع على قلب واحد وأكد معاليه أن هذا البيان جاء ليرعَى ثوابت الإسلام التي قام عليها كيان هذه الدولة المباركة، مرسخاً مطلب الاستقرار والسكينة والألفة والاجتماع والوحدة، التي استقرت عليها دعائم الدولة منذ تأسيسها على منهجها الراسخ على هدي الكتاب والسنة. وتابع مدير الجامعة الإسلامية قائلا: كلنا يعلم أن أعظم سرٍ في رفعة أمة الإسلام وسيادتها وعزتها هو أمر الوحدانية، وحدانيتها في عبودية ربها، وتوحدها في اقتدائها بنبيها، وتوحدها في الاتجاه إلى قبلة واحدة، واتحادها مع بعضها البعض على قلبٍ واحد، ولمبدأ واحد، وعلى همةٍ واحدة، وهذا التوحيد والاجتماع لا شك أنه جانبٌ من جوانب القوة، بل أعظم جانب من جوانب العزة والرفعة والكرامة. وقال معاليه: إن من تأمل هذه المسألة أدرك سر الآيات والأحاديث الكثيرة في كتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- التي تدعو إلى الاعتصام، والتي تدعو إلى التعاون، وإلى إسقاط الخلافات والاجتماع على قلبٍ واحد، يقول الله جل وعلا: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا)، فقد نزلت هذه الآيات في ذم الفرقة والدعوة إلى الوحدة، ويقول الله جلَّ وعلا: (وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ )، ويقول تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ )، موضحا معنى فرقوا: أي آمنوا ببعضه وكفروا ببعضه، أو كما قال علي بن أبى طالب رضي الله عنه : "والله ما فرَّقوا ولكن فارقوا"، وهم أهل البدع والضلالة والشبهات، ومعنى كلمة (شيعًا) فرقًا وأحزابًا، وعدم الفرقة والاعتصام بحبل الله تعالى مما يرضاه لنا الله تعالى: فعن أبي هريرة –رضي الله عنه-، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله يرضى لكم ثلاثًا، ويسخط لكم ثلاثًا، يرضى لكم: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم، ويسخط لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال" أخرجه مسلم. ودلل مدير الجامعة الإسلامية بقول شيخ الإسلام ابن تيمية:" إنه - صلى الله عليه وسلم - سنّ الاجتماع على إمام واحد في الإمامة الكبرى وفي الجمعة والعيدين والاستسقاء وفي صلاة الخوف وغير ذلك مع كون إمامين في صلاة الخوف أقرب إلى حصول الصلاة الأصلية لما في التفريق من خوف تفرق القلوب وتشتت الهمم، ثم إن محافظة الشارع على قاعدة الاعتصام بالجماعة وصلاح ذات البين وزجره عما قد يفضي إلى ضدّ ذلك في جميع التصرفات لا يكاد ينضبط، وكل ذلك شرعٌ لوسائل الألفة.. وزجر عن ذرائع الفرقة " (بيان الدليل على بطلان التحليل). واستطرد معاليه قائلا إنّ من أعظم الخُذلان، ومن بوادر الهزيمَة، ومن بوادر الشّرّ: إقامةُ الأحزاب، سواءٌ أُضفيَت عليها أسماء دينيّة أو طابعٌ دينيّ أم لم تكُن كذلكَ، فإقامة الأحزاب والجماعات من شرِّ ما ابْتُلِيَ به المُسلِمون في هذه الأزمنَة، فلا يجوز الانتماءُ إليها بحالٍ من الأحوال / إذ قال الشيخ بكر أبو زيد - رحمه الله -: "ولا تكن خرَّاجًا ولاَّجًا في الجماعات، فتخرج من السعة إلى القوالب الضيقة، فالإسلام كله لك جادة ومنهجاً، والمسلمون جميعهم هم الجماعة، وإن يد الله مع الجماعة، فلا طائفية ولا حزبية في الإسلام"، كما سئل فضيلة شيخنا العلاّمة صالح الفوزان – حفظه الله - : هل يجوز للعلماء أن يبيّنوا للشباب وللعامة خطر التحزب والتفرق والجماعات؟ فأجاب فضيلته: "نعم يجب بيان خطر التحزب وخطر الانقسام والتفرق ليكون الناس على بصيرة لأنه حتى العوام الآن انخدعوا ببعض الجماعات يظنون أنها على الحق، فلا بد أن نبين للناس المتعلمين والعوام خطر الأحزاب والفرق لأنهم إذا سكتوا قال الناس: العلماء كانوا عارفين عن هذا وساكتين عليه، فيدخل الضلال من هذا الباب، فلا بد من البيان عندما تحدث مثل هذه الأمور، والخطر على العوام أكثر من الخطر على المتعلمين، لأن العوام مع سكوت العلماء يظنون أن هذا هو الصحيح وهذا هو الحق". وقال الدكتور السند إن من يستقرئ تاريخ الإسلام يجد أن الرياح التي طالت استقرار دولته، وجلبت لها المتاعب والمصاعب والنكبات والويلات، إنما جاءتها من اختزال كيانه العظيم في فرق وأحزاب وجماعات، ولاشك أن الحاقد على الإسلام وأهله لا يحفل بشيء مثلما يحفل بتفرق الأمة وشتات جسدها الواحد إلى فرق وأحزاب وجماعات، فهو يعلم بتدابيره المسيئة أنها أمضى فتكاً، وأبلغ في الوقيعة. وأضاف يقول: إن من واجبات الدولة وفقها الله حفظ أمنها واستقرارها وصد كل محاولة لزعزعة اللحمة الوطنية وترتيب كل ما من شأنه الوصول لهذا المطلب الوطني، ولا يكون ذلك إلا بالتنظيم المؤصل شرعاً وقد جاء البيان محققاً لهذا الغرض، ولا تضار الدولة أو تنازع في أي تدابير من شأنها في تراتيبها الشرعية والوطنية حفظ أمنها، ولا ريب أن المد الأخير لهذه الأحزاب والجماعات أنتجت فعلاً مسيئاً تجاوز نطاق الحرية إلى التأثير على السكينة المجتمعية واللحمة الوطنية، وأي تأثير على سلم المجتمع فإن من الواجب شرعاً التصدي له. وأوضح معاليه أن البيان أقام الحجة لاسيما وهو مفصل، فجرّم الفعل والقول والتعاطف والتأييد بأي صفة وتطبيقها، وصار بيانًا تقوم به الحجة على من يخالفه فيقع في دائرة التجريم المستحق للعقوبة، ولا شك في وجوب السمع والطاعة لولي الأمر ولزوم ما يأمر به، والابتعاد عن ما ينهى عنه لمصالح الأمة، وحتى تكون الأمة يدًا واحدة وصفًا متحدًا تنعم بالخير، ويرتفع شأنها ويعلو قدرها، ويبعدها ولي الأمر عن الشرور والآثام، ومع هذا فإن البيان قد منح الفرصة لكل من شارك في أعمال قتالية خارج المملكة بأي صورة كانت مهلة إضافية، مدتها خمسة عشر يوماً ابتداءً من صدور هذا البيان لمراجعة النفس والعودة عاجلاً إلى وطنهم، وهذا دليل واضح وجلي على اهتمام قيادة هذه البلاد حفظهم الله بهؤلاء، وإرادة الخير لهم والحنو والرأفة بهم علَّهم يتوبوا ويبادروا بالعودة والأوبة إلى الحق. وفي ختام تصريحه حمد مدير الجامعة الإسلامية الله أن وفق ولاة أمرنا لإصدار مثل هذا البيان الصارم الذي قطع الطريق على دعاة الفتن والتحريض الذين مافتئوا في تهييج الشباب وتعبئتهم بالأفكار المنحرفة وعقد الانتماءات لجماعاتهم الإرهابية الضالة، سائلا الله أن يوفق خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود وسمو ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني، وسمو وزير الداخلية - حفظهم الله - وأن ينصر بهم الحق والسنة، وأن يجزيهم خير الجزاء على ما يبذلون من جهود كبيرة في خدمة الإسلام والمسلمين، وأن يوفقهم لما فيه صلاح العباد والبلاد.