×
محافظة حائل

«العدل»تعلن افتتاح 45 «كتابة عدل»

صورة الخبر

النسخة: الورقية - سعودي كان النبي صلى الله عليه وسلم من أزهد الناس في الدنيا وأقلهم لهفة عليها، وكان يقول: «ما لي وللدنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة، ثم راح وتركها». وكان فراشه من الجلد وحشوه من الليف، وأمّا طعامه فقد كان يمر عليه ثلاثة أهلة وما توقد في بيته نار، وإنما هما الأسودان التمر والماء، وربما ظلَّ يومه يلتوي من شدة الجوع وما يجد من الدَّقل، وهو رديء التمر، ما يملأ به بطنه، وما شبع رسول الله ثلاثة أيام تباعاً من خبز برّ حتى قبض، وكان أكثر خبزه من الشعير، ولم يترك نبي الله عند موته درهماً ولا ديناراً ولا عبداً ولا أمة ولا شيئاً إلا بغلته البيضاء وسلاحه وأرضاً جعلها صدقة، وقُبِضَ ودرعه مرهونة عند يهودي في مقابل شيء من الشعير، هذا طرف من شمائل إمام الزاهدين وسيد العابدين الذي ما انفك دعاة هذا الزمان الأغبر يلتّون ويعجنون طحين كلامهم عنها، ويدعون الخلق للاقتداء بها، وهم في واقع الحال أبعد الناس عن هديه وزهده وسيرته، وهكذا هم دوماً يأمرون الناس بالبرّ وينسون أنفسهم! قبل خمسة أعوام، نشرت «فوربز العربية» قائمة بأكثر دعاة «النيو لوك» من حيث الدخول السنوية، وهي قائمة لا تختلف شكلاً ومضموناً عن قوائم أكثر 10 لاعبي كرة قدم ثمناً، أو أكثر 10 أغنيات طلباً، أو أكثر 10 أفلام إيراداً. وعلى رغم استثناء القائمة للدخول المتحققة من الهبات والتبرعات الشخصية والعطايا الحكومية والاستثمارت الفردية، إلا أنها تفصح وبلا مخاتلة أو مواربة بأن الاشتغال بهذه «الحرفة» يدرُّ على صاحبها مالاً وعزاً وشهرة وسطوة لا يحلم بها. إني لأعجب من أمر دعاة السوبر هؤلاء، وهم يحضّون الملايين من المساكين والشحاذين والعاطلين على الاهتداء بسيرة سيد الخلق،اخبروني! هل رأى أحدكم داعية منهم لا يسكن البيوت الفاخرة أو لا يركب السيارات الفارهة. قبل أعوام قليلة، تم تصوير لقاء تلفزيوني في بيت أحد الدعاة المشاهير. هل قلت بيت؟ «لا» بل إنه قصر رحب الأكناف واسع الجنبات، وعندما يُسأل صاحب القصر عن حظه من المال، تراه يقول متحسراً: «بالكاد أعيش على رمق ما أكتب من كتب»، ولو كان هذا القصر لواحد من المغضوب عليهم من «بني ليبرال» لسلقوه بألسنة حداد! وعلى ما يبدو، فإن أكثر الدعاة سواء في الداخل أم الخارج، هم أشبه بتجار لكنهم يتخفّون في ثياب دعاة، وإلا بماذا نفسر تضخم أرصدتهم وارتفاع مستوى معيشتهم، في شكل يتناقض في جوهره مع ما يدعون إليه أتباعهم! والعجيب أنك عندما تعيب على أحدهم غناه الفاحش يأتيك من ينافح عنه من أتباعه بالقول: «ما أشد سواد قلوبكم أيها الحاقدون! ما ضرّكم أنتم إن وسّع الله عليه، وفتح له أبواب رزقه؟»، ولقائل أن يقول: «إن هؤلاء أشبه بفقاعات الصابون، سرعان ما ينفضح أمرهم، ويضمحل ذكرهم، حين يسود الوعي بين الناس، وينتشر»، غير أني أقول إن استغلال الدين والتكسب به ظاهرة قديمة، خبرتها المجتمعات الإنسانية منذ فجر الأديان وإلى اليوم وربما إلى الغد، وكما أنه يوجد بين المسلمين دعاة يتربحون من صورهم ومحاضراتهم وفضائياتهم وكتاباتهم فإنك ستجد أشباهاً لهم في بلدان أخرى لها أديانها وعباداتها، واسألوا، مثلاً لا حصراً، القساوسة الأميركان جيمي سواغارت وأورال روبرتس وبات روبرتسون الذين جمعوا أموالاً طائلة من متاجرتهم بالدين ولعبهم بعواطف الجماهير، إنها يا عزيزي حيلة قديمة، وستظل مستمرة إلى ما لا نهاية، ما دام أن في البشر نوعين من الناس: «فهلوي» و«ساذج»!     Alsaeed@alhayat.com