النسخة: الورقية - دولي أعادت السلطات الجوية العراقية ظهر أمس طائرة تابعة لشركة «طيران الشرق الأوسط» اللبنانية الى مطار بيروت ومنعتها من إكمال رحلتها إلى بغداد بعدما تبين أن الطائرة أقلعت تاركة وراءها مهدي العامري، ابن وزير النقل العراقي. لم يظهر العامري أثناء النداءات المتكررة التي أطلقها الطاقم الأرضي لاستدعائه مع مرافق له إلى الطائرة، فقرر القبطان الإقلاع وفقاً للوائح والمعايير الدولية المتبعة في مثل هذه الحالات، لكن الطائرة تلقت أمراً أثناء تحليقها في الجو بالعودة إلى مطار بيروت بعدما أبلغ مسؤول المحطة في بغداد أن السلطات العراقية ترفض السماح بهبوط الطائرة ما لم يكن على متنها السيد العامري. أصدقاء عراقيون يقولون إن هذه الممارسة شبه يومية في العراق، خصوصاً في الرحلات الداخلية التي يتعامل المسؤولون معها كسيارات أجرة يوقفونها أو يقلعون بها إلى الوجهات التي يرغبون بها. لكن ربما هذه من المرات القليلة التي تتمدد هذه النزوة الرسمية العراقية إلى خطوط الطيران الدولي، ما يضع مصالح وسلامة عشرات الركاب المدنيين بتصرف مزاجية ابن وزير متنفذ، عديم الإحساس، هو وحكومة أبيه، بالحد الأدنى من المسؤولية. مواقع التواصل الاجتماعي ضجت بهذه الحادثة، واعتبر عدد من المعلقين أنها تؤكد «بقاء صدام حسين حياً وحاكماً في العراق»، وأن الأخوين عدي وقصي صدام حسين قد عادا إلى الحياة بقدرة قادر. «الصدامية» التي عززها إعدام صدام بالطريقة التي جرى بها، تبدو اليوم تعيش «بعثها» الجديد. غني عن البيان أن الوزير العراقي لم يُبدع شيئاً في التعامل مع المؤسسات العامة كأنها أملاك شخصية. وقصص «المسؤولين» العرب وأبنائهم وتسلطهم على الرقاب ومصالح وحيوات الناس أكثر من أن تعد أو تحصى، بل يجوز إدراج هذه الحادثة في باب تراث طويل من «الأحكام السلطانية» (على غير ما ذهب إليه الماوردي طبعاً)، حيث تتقدم رغبات الحاكم على القوانين والأحكام بل حتى على الاحترام العادي والبسيط لكرامات البشر. وما المطارات غير كاراجات ملحقة بأفنية دور الحكام وقصورهم، والطائرات عربات يسيرها الحاكم وابنه وحاشيته إلى حيث يشاؤون، والمسافرون التعليمات الدولية السلامة العامة... مجرد «ديكورات» زائدة ونافلة في يوميات الراكب الوحيد الفريد. ولبنان، مثله مثل غيره من بلاد الشقاء العربي، ويشهد أهله يومياً استعراضات لانفجار «الأنوات» (اذا جاز جمع «الأنا» على هذا النحو) المتورمة وتفاقم أمراض الاستعراض المرضي لعقد النقص والدونية، عند مسؤولي الزمن الأغبر هذا، في القطاعين الرسمي والأهلي– الحزبي. أما في العراق الذي تعصف فيه نيران الفتن والصراعات والفساد، فلا يجد هذا المسؤول وابنه مانعاً من إحياء التقاليد الصدامية-السلطانية. لكن أبعد من ذلك، تطرح هذه المشكلة وما يأتي في بابها قضية الأخلاق في العلاقات الاجتماعية. المقصود هنا «الأخلاق» بالمعنيين الاصطلاحي المتداول في التقاليد والأعراف السائدة، وذلك الفلسفي الذي يضم مجموعة النظم والقيم التي تشيدها المجتمعات للحفاظ على سلامها الداخلي وعلى انتظام الحياة فيها. ذاك أن ممارسات مثل تلك التي يلجأ اليها وزير النقل العراقي وابنه قد ساهمت مساهمة كبرى في دفعنا إلى الحائط المسدود الذي نقبع أمامه منذ قرون. إعادة الاعتبار إلى العلاقات الاجتماعية بصفتها أساساً للسياسة والدولة و «الحضارة» من المهمات التي لم تعد تنتظر مع الركاب المنتظرين في طائرة ابن الوزير.