×
محافظة المنطقة الشرقية

«37» ألف تذكرة فقط نصيب الجمهور في نهائي دوري أبطال اوروبا

صورة الخبر

النسخة: الورقية - دولي من بين أوبرات الموسيقي الإيطالي جوزيبي فردي كافة، ثمة واحدة لها على عكس الباقيات، تاريخان لعرضها «الأول»، ويفرق بين التاريخين نحو ربع قرن من الزمن، من دون ان يعني ذلك ان المرة الثانية جرت في غياب هذا المؤلف الموسيقي الكبير، بل خلال حياته، وبيده نفسها. هذه الأوبرا هي «سيمون بوكانيغرا» التي بعد اهمال كان من نصيبها، خلال النصف الاول من القرن العشرين، عادت وانبعثت خلال نصفه الثاني، ليضعها دارسون ونقاد بين أفضل اعمال فردي، الذي لم يتوقف لحظة في حياته عن التلحين للأوبرا. > في المرة الأولى قُدّمت «سيمون بوكانيغرا» في مسرح «لافينيشيا» في البندقية في العام 1857. ثم في المرة الثانية، قدمت معدلة، نصاً وموسيقى. «للمرة الأولى» ايضاً في ميلانو في العام 1881، أي قبل عشرين عاماً من رحيل فردي في مدينة ميلانو نفسها. طبعاً ليس ثمة مصادر كثيرة توضح اسباب عودة فردي الى الاشتغال على «سيمون بوكانيغرا» بعدما كانت قُدّمت ونجحت. ولكن المصادر تجمع على ان اصل التعديل كان في النص الشعري، ما استدعى الاشتغال على اضافات وتعديلات موسيقية اجراها فردي. > المهم في هذا كله هو ان أوبرا «سيمون بوكانيغرا» كما نعرفها اليوم، تنتمي في الوقت نفسه الى مرحلة كتب خلالها جوزيبي فردي اهم اعماله مشتغلاً في شكل مكثف وبديع، هي المرحلة الواقعة بين أواسط أربعينات القرن التاسع عشر، ونهاية خمسيناته. كما ان هذه الأوبرا تنتمي ايضاً الى مرحلة النضج التي شهدت، في شكل رئيس، اشتغال فردي على اعمال شكسبيرية محولاً اياها أوبراتات عاشت ولا تزال تعيش بيننا... ومنها بخاصة اوبرا «عطيل» (1887) وأوبرا «فالستاف» (1893) التي تعتبر من آخر اعماله وأكثرها أهمية وشهرة. اذاً، يمكن القول هنا ان «سيمون بوكانيغرا» أتت ابنة مرحلتين، ما يجعل من الممكن حقاً النظر اليها، في حد ذاتها على انها التعبير الأصفى والأقوى على التطور الذي طاول مسيرة فردي الموسيقية - ودائماً في عالم الأوبرا الذي كان عالمه بامتياز - طوال عقود من السنين. > تدور احداث «سيمون بوكانيغرا» في مدينة جنوى البحرية الايطالية خلال القرن الرابع عشر. في تلك المدينة كان يعيش ويحكم سيمون بوكانيغرا، المعروف بابتذاله وصلافته وقد وضع نفسه في خدمة الجمهورية الجنفوية هناك وانتخب «دودجاً» للمدينة، بعدما كان امضى شبابه كله في القرصنة والتهريب. ولكن ها هو الآن وقد حول نفسه حاكماً محترماً يسيّر شؤون المدينة، من دون ان يتخلى عن اخلاقه القديمة وعن خدمة مآربه الخاصة من خلال سيطرته على مقدرات هذه المدينة. ومنذ البداية نعرف ان سيمون مغرم بماريا ابنة جاكوبو فييسيكو، احد كبار اعيان ميلانو، وأن ماريا هذه قد أنجبت له ابنة... لكن الذي يحدث هو ان ماريا تفارق الحياة في شكل مباغت، في الوقت الذي تختفي فيه الطفلة المولودة عن العيون تماماً. وحين تبدأ الأوبرا يكون ربع قرن قد مضى على موت ماريا واختفاء الطفلة... وتكون شؤون المدينة قد تغيرت وسيمون اضحى السيد المطاع فيها. اما جاكوبو فييسيكو، فإنه لا يزال يعيش في قصره، حيث يشرف على تربية صبية حسناء، قيل دائماً انها كانت طفلة عثر عليها مرمية في الشارع بعد ولادتها. غير ان الحقيقة التي يجهلها الجميع، ما عدا جاكوبو، فهي ان الطفلة التي صارت اليوم صبية حسناء تدعى آميليا غريمالدي، انما هي طفلة ماريا التي اختفت قبل ربع قرن. واليوم ها هي آميليا مغرمة بالنبيل الشاب غابرييلي ادورنو، الذي لا يفتأ يتردد على منزل فييسيكو لارتباطه بحبيبته. غير ان «دودج» المدينة، أي سيمون بوكانيغرا، الذي يهيمن على الناس، يسعى في الحقيقة الى تزويج آميليا، من دون ان يعرف من هي في الحقيقة، الى واحد من حاشيته هو باولو... ولكن حين تكشف له ميدالية تحملها آميليا عن حقيقتها وأنها ليست سوى ابنته وابنة ماريا الضائعة، يبدل مشاريعه فوراً: يلغي مشروع تزويج آميليا من باولو. بيد ان هذا يرفض الانصياع الى رغبات سيمون الجديدة، ويقرر اختطاف آميليا للزواج منها بالقوة، ويرسم في سبيل ذلك خطة تشمل هجوماً يشنّه ورجاله... بيد ان الخطة تفشل، ويكون من نتائج فشلها ان يُلقى القبض على أدورنو، حبيب آميليا، بتهمة قتل احد المهاجمين. ولكن خلال جلسة محاكمة عاصفة في المجلس البلدي، وأمام «الدودج»، تلمّح آميليا الى اسم المذنب الحقيقي، وهو باولو... فيقسم «الدودج»، وقد خمّن الأمور تخميناً، بأن ينتقم من المجرم حالما تكشف هويته حقاً وبكل وضوح. وهنا، امام الخطر الذي بدأ يتعرض له، لا يتورع باولو عن الانتقال الى مستوى جديد من مستويات نزعته الشريرة: انه الآن يتمكن من اقناع غابرييلي ادورنو، بأن ثمة علاقات قذرة آثمة تربط بين سيمون بوكانيغرا وآميليا - علماً أن الاثنين، أي باولو وغابرييلي، يجهلان حتى تلك اللحظة، ان آميليا انما هي ابنة سيمون - وهكذا يسعى باولو الى تحرير غابرييلي، أملاً في ان يقدم هذا الأخير، غضباً، على قتل سيمون بوكانيغرا فيتخلص باولو من الاثنين معاً ويخلو له الجو. وبالفعل يخرج غابرييلي من السجن ويخلق مجموعة من رفاقه يثيرون معاً ثورة عنيفة تحاصر قصر «الدودج»، وإذ يدخل هو الى القصر ويكون على وشك طعن «غريمه» لقتله، تتدخل آميليا في شكل مباغت لتكشف امام حبيبها حقيقة علاقة القربى التي تصلها بسيمون: تقول له ان هذا الاخير انما هو أبوها... فيذهل غابرييلي، ويمتنع عن مواصلة ارتكاب جريمته، بل ينقلب - بالطبع - على باولو، ما يؤدي الى اعتقال هذا الاخير... واذ يحاكم هذا ويحكم عليه بالإعدام، يتمكن مع هذا، قبل ان يُساق الى حيث سيُعدم، من وضع السم في شراب يتناوله سيمون بوكانيغرا، الذي يموت بفعل هذا السم، غير انه وهو يحتضر يتمكن من مباركة زواج غابرييلي من ابنته آميليا، ويبارك كذلك حلول غابرييلي ادورنو، في حاكمية جنوى كوريث له. > من ناحية موضوعها، تعتبر اوبرا «سيمون بوكانيغرا»، المقتبسة اصلاً من دراما مسرحية كتبها انطونيو غارسيا - غيتييرز، من الاعمال المميزة في مسار فردي المهني، خصوصاً ان الجمهور تعاطى معها كعمل أوبرالي بمقدار ما تعاطى معها كعمل مسرحي درامي، ذلك ان فيها كل خصائص الدراما المسرحية، ولكن من دون ان يبدو البعد الدرامي مقحماً عليها. ففي زمن تلحين فردي لها، كان هذا الفنان الذي كثيراً ما صارع ضد نظريات فاغنر حول العلاقة بين المسرح والأوبرا، كان قد بات مقتنعاً بأنه ليس من الضروري تبسيط البعد الدرامي، او المغالاة فيه، وهو من جانب آخر - بغية اعطاء الافضلية للبعد الموسيقي - كان قد بدأ يرى ان البعدين يمكن ان يتكاملا، من دون ان يفقد أي منهما قدرته على التأثير لمصلحة البعد الثاني. اما بالنسبة الى الألحان التي وضعها فردي لهذا العمل، فإنها أتت في غاية النضج والتجديد، ولا سيما بالنسبة الى الثنائيات والغناء الجماعي. ناهيك بأن الموسيقى الخالصة (من دون غناء) في العمل أتت استثنائية لتؤكد ابداع فردي في عالم، لم يكن ينسب اليه: عالم التأليف الموسيقي في شكل عام، خارج اطار الأوبرا. > عندما لحن جوزيبي فردي (1813-1901) «سيمون بوكانيغرا»، في نسختها الأولى، كان في الرابعة والأربعين من عمره، وكان سجله قد بات حافلاً بأعمال حققت له سمعة كبيرة مثل «هرناني» و «آتيلا» و «ماكبث» و «لويزا ميلر» وغيرها. اما حين انكب مرة اخرى على العمل نفسه، في العام 1881، فإن مجده الكبير كان اضحى وراءه، وكانت اشتهرت له اعمال اضافية مثل «عايدة» و «دون كارلوس» و «لاترافياتا»... والحقيقة ان فردي، في كل هذه الاعمال، وفي اوبرات عدة غيرها، ظل واحداً من كبار ملحني الأوبرا في ايطاليا وفي أوروبا...   alariss@alhayat.com