النسخة: الورقية - سعودي أثار مقطع فيديو انتشر أخيراً على مواقع التواصل الاجتماعي لطفل يدرس بالصف الأول، وهو في حال نوبة بكاء وخوف، لعدم إتقانه مهارة الكتابة وتوسله المعلم بأنه سيتعلم القراءة والكتابة في البيت، موجة عاصفة من الاستياء حول تصرف المعلم، وطالب الكثيرون بإبعاده أو فصله من مهنة التعليم، واتخذت إدارة التعليم في محافظة صبيا قراراً بإبعاده عن المجال التعليمي وتحويله إلى العمل الإداري إلى أن يتم استكمال التحقيقات، وسواء كان تصرف المعلم كما أشارت بعض التصريحات الصحافية صدر عن حسن نية، وأن سجله المهني لا يشير إلى سوء أدائه، إلا أن مثل هذا الأسلوب سواء صدر من هذا المعلم أم من أي معلم آخر أياً كان تميز أدائه، فهو أسلوب خاطئ، يجب المحاسبة الصارمة عليه. وإذا كانت ممارسة أساليب العنف والإيذاء بالطرق التقليدية والأساليب المباشرة في التعليم، باستخدام مختلف وسائل الضرب والإيذاء، قد بدأت في الانحسار عما كانت عليه غضون الأعوام السابقة، إذ مضى قرابة 12 عاماً منذ صدور أول قرار بمنع الضرب، ومنع أي نوع من العقوبات البدنية أو النفسية في مدارس التعليم العام بالسعودية كافة، وذلك بعد أن لعب الإعلام المحلي دوراً في إبراز كثير من قضايا الضرب التي تحدث داخل مدارس التعليم العام. وتلت ذلك القرار قرارات أخرى مماثلة، تضمنت أيضاً المحاسبة لكل معلم يخالف تلك التعليمات، وإصدار لائحة مطولة في شأن المخالفات السلوكية والتعليمية والتدرج في مستوى العقوبات والإجراءات تجاهها، بحسب نوع المخالفة أو تكررها، إلا أن التجربة والملاحظة تشير إلى أنه لا تزال في الميدان التعليمي تتفشى ممارسات وأنماط أخرى من أساليب العنف والإيذاء، يلجأ إليها العديد من المعلمين في مدارسنا، وهي المتعلقة بالإيذاء والعنف المعنوي والنفسي، سواء باللفظ أم الإشارة أم الإيحاء، ورفع الصوت وحدة النظرة والتهكم عليه والتقريع والتوبيخ بعبارات مختلفة، وذلك بعد أن أصبحت الأضواء والأنظار مسلطة على من يمارس العقاب البدني، وفي أحسن الأحوال فإن بعضاً من المعلمين عن جهل منهم يعتقدون أن هذه الوسائل هي الأنجح في حث الطالب ودفعه على المحافظة على سلوكه وأداء واجباته المدرسية، ناهيك عمن يمارسها انتقاماً وتشفياً من سلوك خاطئ أو تقصير بدر من الطالب، وهذه الأساليب يراها مختصون في علم النفس والاجتماع أنها أكثر احتمالية لإصابة الطفل بالضرر من أشكال الإيذاء الأخرى، إذ تؤثر تلك الأساليب في نموه السلوكي والعاطفي، والأمر لا يقتصر على ذلك الطالب الذي يقع ضحية لذلك الإرهاب التربوي فحسب، وإنما يتعدى ويتجاوز الأمر إلى بقية الأطفال، بل وقد يكون في بعض الأحايين أن تأثير ذلك في الطفل الذي لم يتعرض مباشرة لذلك العقاب المعنوي أشد وقعاً من الطفل الذي تعرض مـــــباشرة لعملية العقاب. وبالتالي، فإن تلك الأساليب غالباً ما ينجم عنها حال شديدة من الذعر والخوف لدى الأطفال كافة، الذين يشاهدون مظهر العنف الذي يقع على أحد زملائهم في قاعة الصف، وتكرار مثل تلك المشاهد أمامهم قد يؤدي إلى حال من الخوف الدائم من شخص المعلم في مراحل حياتهم الدراسية، وحتى في اللحظة التي يبدي بها المعلم الكثير من المودة والاحترام للطلاب. \ لأن عنصر الخوف من شخص المعلم قد تم تسجيله وتشريطه في البنية النفسية للتلاميذ، إن حال الخوف هذه التي يمكن أن تأخذ أشكالاً متنوعة كالاحترام أو الكراهيـة أو الإحساس بالضعف وعدم الثقة بالنفس تجاه المعلم أو المدرس أو من هم في مقامه تؤثر في شكل كبير في عملية نمو الطفل العقلية والفكرية، وتشكل حاجزاً عن قدرته من التواصل والحوار مع الآخرين، فالطفل في مراحل نموه يحتاج إلى نوع من الثقة بالذات، وتعرضه لأي إيـذاء نفسي وبدني، يهدم تلك الثقة! إن من الممكن القضاء على كثير من صور الإيذاء والتعدي المعنوي والنفسي الواقع على الطالب داخل أسوار المدرسة، ولكن ذلك لا يمكن تحقيقه بمجرد الأماني والتعميمات والخطابات، وإنما عبر برامج وآليات مدروسة ومكثفة والاس-ـتفادة من تجارب الآخـــرين في هـــذا الـــجانب، والـــعمل في صورة عـــاجلة على تـــثقيف الـــمعلمين والـــمعلمات حول حـــقوق الـــطفل وتـــعريفهم بــتلك الحقوق. إضافة إلى إيضاح الآثار المترتبة على إيذاء الطلاب، وتوعية المعلمين والمعلمات بالأساليب التربوية المثلى في التعامل مع الطلاب، خصوصاً الأطفال في المرحلة الابتدائية، وفي المقابل أيضاً، توعية الطالب بحقوقه عبر الوسائل المتاحة كافة من خلال المنهج وغيره. hassansalm@gmail.com @hasansalm